قال الأصحاب: ووجهه في الأولى: أنه صوت لا يؤثر في القلب طربًا، فكان كسائر الكلام.
[و] وجهه في الثانية: ما روى الشافعي بسنده عن شريك أنه قال: ((أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: أمعك من شعر أمية شيء؟ فقلت: نعم، فقال: هيه، فأنشدته بيتًا، فقال: هيه، فأنشدته بيتًا، فقال: هيه، فأنشدته بيتًا، فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيتٍ)).
إذا كان يغني إذا اجتمع مع إخوانه، لينشرحوا بصوته، وليس بمنقطع للغناء، ولا يأخذ عليه أجرًا- قال في ((البحر)): نظر: فإن صار مشهورًا به، يدعوه الناس من أجله، فإن كان متظاهرًا به، ومعلنًا [له]، ردت شهادته. وإن كان مستترًا به، فلا.
قال: وأما أصحاب المكاسب الدنيئة: كالحارس، والحائك، والحجام فقد قيل: تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم في الدين، أي: بحيث كانوا يتجنبون النجاسات، ويغسلون ما أصابهم منها، لأن بالناس حاجة إلى ذلك، وهو من فروض الكفايات، فإذا ردت شهادة من يتولاه، كان ذلك طريقًا إلى تركه ولحوق الضرر بعامة الناس، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ((اختلاف أمتي رحمة))، وفسره الحليمي باختلافهم في الحرف والصنائع، كما حكاه الإمام وغيره عنه عند الكلام في الكفارة.
وقيل: لا تقبل، لأن هذه صنائع دنيئة تذهب معها المروءة.
قال: والأول أصح، لما ذكرناه.
ومنهم من قال: تقبل شهادة الحائك وإن [لم] تقبل شهادة غيره، حكاه العراقيون، واختاره القفال، لأنه ينسج غزلًا، كما يخيط الخياط [ثوبًا] منسوجًا.
قال الإمام: وهو حسن، لكن الناس متفقون على الازدراء بالحاكة.