عدوه فيخفي حسناً ويقول قبيحاً، أو عن صديقه فيخفي قبيحاً ويقول حسناً، برآء من الشحناء بينهم وبين الناس، [أو الحيف عليهم] أو الحيف على أحد، وألا يكونوا من أهل الأهواء والعصبية والمماطلة للناس؛ أي: اللجاج؛ لأن اللجوج ينصر هواه ويرتكب ما يهواه، ولا يرجع عن الخطأ إن ظهر له الصواب.
قال الماوردي: فإذا تكاملت هذه الأوصاف في أصحاب المسائل- وإن كان كمالها متعذراً- صاروا أهلاً أن يعول عليهم في البحث ويرجع إلى أقوالهم في التعديل والجرح. وهذا يقتضي اشتراطها، وفي "النهاية": أن هذه الأوصاف مستحبة.
قال: ويجتهد ألا يعرف بعضهم بعضاً، أي: بالصفة المذكورة؛ خشية أن يجمعهم الهوى على التواطؤ، ومن طريق الأولى: ألا يكونوا معروفين بذلك للناس؛ خشية أن يحتاج عليهم الشهود، أو المشهود له أو عليه، برشوة أو غيرها.
قال الماوردي: وكذا يحرص ألا يعرفوا لمن يسألونه حال الشهود فيأمنوا من احتيال أعداء الشهود في إظهار الجرح، وأصدقائهم في إظهار التعديل.
وأرباب المسائل الذين أرادهم الشافعي- رضي الله عنه- هم المذكورون، كما ذكره الماوردي.
وقال [الإمام]: إن من الأصحاب من قال ذلك، ومنهم من قال: إنه أراد بهم الرسل الذين يحملون الرقاع إلى المزكين للبحث عن أحوال الشهود.
وهذا كأنه قول أبي إسحاق الذي سنذكره في [الباب] التالي لهذا.
وحكى ابن أبي الدم أن منهم من قال: أراد: الذين يسألون المذكورين عن أحوال الناس.
قال: ولا يولي ولا يحكم ولا يسمع البينة في غير عمله، فإن فعل ذلك لم يعتد به؛ لأنه لا ولاية له فيه فأشبه سائر الرعية، وهكذا الحكم في الكتابة إلى قاض آخر.
وحكى الرافعي قبيل القسمة أن ابن القاص قال: إنه لا يحكم ولا يشهد في غير محل ولايته، فأما الكتاب فلا بأس به.