والثاني: أن بذل المال مشعر بقيام الضرورة أو الحاجة الشديدة إلى الخلاص، وفي مثل هذا لا يحسن الأمر بالتأخير ومراقبة الأوقات؛ فعلى هذا لا يقوم الرضا مقام الخلع؛ لأن ذلك لم يتحقق، ويجوز خلع الأجنبي؛ إذ الغالب أنه إنما يبذل المال عند وجود ذلك؛ وهذا هو الأظهر، والمذكور في التهذيب، واستأنس له في الوسيط بطلاق المولي.
وأم الصورة الثانية فالمعنى أن أخذ المال يؤكد داعية الفراق، ويبعد احتمال الندم عند من يرى التعليل به.
وفيه وجه: أن الخلع ها هنا حرام كالطلاق مجاناً؛ بخلاف الخلع في الحيض؛ فإن المنع هنا لرعاية أم الولد؛ فلا يؤثر رضاها فيه، وقد فهم من هذا فائدة التقييد بالرضا، والاحتراز بالدخول عن عدمه؛ فإنه لا عدة حينئذ حتى تطول، ولا ندم.
واستدخال الماء كالوطء، والإتيان في الدبر كذلك على الأصح.
وحكم النفاس حكم الحيض فيما ذكرناه.
مباحثة: من القواعد في المذهب أن صاحب الشرع إذا ذكر حكماً، وذكر له علة، أو استنبطت له، ففقدت تلك العلة، هل يبقى ذلك الحكم؟ فيه خلاف، ومن ذلك قوله- عليه السلام-: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ ... " إلى آخره؛ فإنه إذا ربط يده في شيء أو لف عليها خرقة، وتحقق طهارتها، هل يبقى ذلك الحكم؟ فيه خلاف مذكور في موضعه.
[ومنه] قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فإذا لمس ذات رحم محرم، هل ينتقض وضوءه؟ فيه قولان، ينظر في أحدهما إلى عموم اللفظ، وفي الثاني إلى أن ذلك سيق لأجل الشهوة، وهي مفقودة.
فإذا تقرر ذلك، فمن مقتضاه أن يجري فيما إذا خالعها خلاف في التحريم؛ نظراً إلى عموم قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، أو إلى زوال المعنى بالرضا؛ كما طردوه فيما إذا طلقها في الحيض في حال الحمل على ما سيأتي بل هنا [أولى]؛ لأن المانع في مسألة الحمل لم يوجد، وهو موجود