وهذان القولان منقولان بالنقل والتخريج؛ لأنه نصَّ في التحام القتال وتموج البحر ووقوع الشخص في اسر كفار عادتهم قتل الأسرى – على أن ذلك يلحتق بالمرض المخوف. ونص في الإملاء على أنه إذا قدم للقتل قصاصا يكون في حكم الصحيح, فأجرى بعض الأصحاب القولين بالنقل والتخريج, وهي الطريقة الظاهرة, وبها قال المزني وأبو إسحاق, وابن أبي هريرة, والقاضي أبو حامد وطائفة كبيرة [كما حكاه الماوردي, ومنهم من أجرى النصين على ظاهرهما, وفرق] بأن [عند التحام] القتال لا يرحم بعضهم بعضاً, والبحر لا يغيث, والكافر لا يرحم المسلم؛ لأنه يرى قتله ديناً, ومستحق القصاص لا تتعدى منه الرحمة والعفو بعد القدرة؛ إما طمعا في الثواب أو في المال, وهذا الفرق لا يطّرد فيمن قم للقتل بالزنى, وقطع الطريق؛ لأنه لا يرحم؛ فيلتحق على هذه الطريقة بالتحام الحرب.
ومنهم من فرق بين أن يثبت بالبينة فيكون على القولين, وبين أن يثبت بالإقرار فلا يكون مخوفاً, وعلى ذلك جرى الماوردي. وقال: إنه إذا جرى بمشاهدة الإمام كان مخوفاً جزماً, وعن صاحب التقريب: أنه إن كان هناك من يغلب على الظن أنه يقتص من شدة حنقه أو عداوة قديمة, فهو مخوف, وإلا فلا, وهذا ما حكاه الماوردي عن ابن سريج.
أما إذا كانت طائفة الموصي أقوى, فهو في حكم الصحيح جزماً, وكذا إذا كان قبل التحام القتال, ولو كانا يتراميان بالنشاب والحراب.
وظهور الطاعون في بلد هل هو مخوف؟ فيه وجهان مخرجان من الخلاف في الصور السابقة, وهما جاريان فيما لو فشا الوباء فيه, وأصحهما في التهذيب: أنه مخوف, والإمام حكاه عن النص, والمجزوم به في الحاوي, مقابله.
والقولان كما قال الماوردي يجريان فيمن أدركه سيل, أو نار, أو أفعى, أو أسد, ولم يتصل ذلك به بعد, لكنه لا محالة يلحقه, وكذا فيما إذا كان في مفازة, وأيس من الطعام والشراب, واشتد جوعه وعطشه.