وقيل: يجب ذلك على المؤجر؛ لأنها أمانة في يده؛ فهي كالوديعة. واستغنى الشيخ بجعل مؤنة الرد على المؤجر- على هذا القول- بأن المستأجر لا يجب عليه الرد، بل التخلية؛ لأن المؤنة ملازمة لوجوب الرد، وهذا ما حكاه القاضي الحسين والإمام عن المراوزة، واختاره القفال والقاضي الحسين والغزالي.
وقال الماوردي: إنه مذهب الشافعي، ولا وجه لمن خرج من أصحابنا في الإجارة من الرهن وجهاً آخر أن الرد واجب على المستأجر؛ لأن الرهن يغلب فيه حق المرتهن؛ فجاز أن يكون وجوب رده على وجهين، وفي الإجارة يستويان؛ فاختص بها المالك [بحق الملك] وخص القاضي أبو الطيب محل الخلاف بما إذا لم يشترط على المستأجر الرد، أما إذا اشترطه وجب بلا خلاف، ومنعه ابن الصباغ وقال: من لا يوجب الرد عليه ينبغي ألا يجوز شرطه، وهذا ما يقتضيه كلام القاضي الحسين؛ فإنه حكى أن صاحب التقريب فرع على القول الأول إذا شرط الآجر على المستأجر أن يرد الدابة إلى بلد الآجر لزمه الرد، وإن أطلق العقد، وكان المالك معه، رد عليه إذا بلغ الموضع الذي اكترى إليه، وإلا فعليه أن يرده إلى بلده.
ثم قال: وهذا عندي غلط، ولا يلزمه الرد إلى بلد المكري، بل إذا بلغ الموضع المقصود، فهي مال غائب، حصل في يده، يسلمه للحاكم، أو يودعه أميناً، وعلى هذا المذهب: إذا شرط الرد بطل العقد؛ لأنه خلاف مقتضاه، لكنه لو خرج لا ضمان.
ثم على الخلاف المذكور في الكتاب يتفرع مسألتان
إحداهما: إذا أمسك العين المستأجرة بعد انقضاء المدة فتلفت في يده فعلى الأول: يضمن، وعلى الثاني لا ضمان، إلا أن يطالبه المالك بالتمكين منها فيمتنع، وعلى هذه الحالة حمل [ما] قابله النص.
الثانية: وجوب الأجرة، فعلى الأول: تجب وإن لم يستعملها، وعلى الثاني: لا.
قال الماوردي: ومحل الخلاف في هذه والتي قبلها: إذا لم يكن ثم عذر، أما إذا كان ثم عذر مانع [من الرد] فلا ضمان ولا أجرة، وكذا قاله في المهذب.