وأصح الوجهين، أو القولين: أن له المطالبة ببدلها في الحال؛ كما لو أبق العبد المغصوب من يد الغاصب، كذا حكاه الرافعي والبندنيجي.
وحكى الماوردي الخلاف على غير هذا النحو فقال: لو دعا المالك إلى المطالبة برد العين ودعا الجمال إلى رد مثلها في الحال؛ ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق، وابن أبي هريرة: أن القول قول رب المال، وله أن يأخذ الجمال بالرد؛ كالغاصب.
والثاني: أن القول قول الجمال؛ لأن الزيادة لما اتصلت فارقت حكم الغصب وصارت كالمستأجر عليها، وهذا إذا كان المحمول مما له مثل، أما إذا كان لا مثل له كالدقيق والسويق؛ لزم الجمال رد الزيادة بعينها على الوجهين معاً.
قال: وللمكتري أن يكري ما اكتراه بعد قبض العين: أي من الآجر وغيره؛ لقوة حاله بقبض المعقود عليه، ولا يجوز أن يكري قبل القبض من غير المكري في أصح الوجهين؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض، والإجارة بيع؛ ولأنه ملك المنافع بعقد معاوضة؛ فلم يكن له أن يعقد عليها عقد معاوضة قبل القبض كالمبيع وهذا ما صححه الإمام هنا أيضاً، وادعى عند الكلام في التصرفات في المبيع قبل القبض نفي خلافه.
والوجه الثاني: أنه يجوز؛ لأن المعقود عليه المنافع، والمنافع لا تصير مقبوضة بقبض العين فلم يؤثر فيها القبض، وهذا قول ابن سريج.
وأجاب القاضي أبو الطيب عما ذكره [أبو العباس] بأن قبض المكتري يتعلق به الضمان؛ بدليل أن المدة إذا انقضت في يد الآجر، كانت من ضمانه، ولم تستقر له الأجرة، وإذا انقضت المدة والعين في يد المستأجر استقرت عليه الأجرة، ولزمه ضمان المنافع؛ فثبت بهذا أن القبض ينقل الضمان؛ فصار بمنزلة قبض الأعيان.
وقد بنى الماوردي الوجهين على الخلاف السابق في أن مورد عقد الإجارة ماذا؟ فإن قلنا: موردها العين؛ لم يصح، وإلا صحت.
وهذا البناء يقتضي أن يكون الصحيح الصحة؛ فإن الأصح عنده وعند غيره: أن مورد الإجارة المنفعة.