ولأنه مسجد لا يلزم قصده بالنسك، ولا يضمن صيده؛ فأشبه سائر المساجد؛ وهذا ما نص عليه في "الأم"، ونقله المزني؛ ولأجل ذلك قال القاضي أبو الطيب: إنه الجديد، وأجاب به عامة أصحابنا؛ كما قال في "البحر".
وقد أجاب من قال بالأول عن الحديث، بأن قوله- عليه السلام- "صل هاهنا"، أراد: في المسجد الحرام، وهو أفضل؛ فلا حجة فيه.
قال في "البحر": وهذا التأويل خطأ؛ لأنه روي أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني نذرت أن أصلي ركعتين في مسجد إيلاء- وهو المسجد الأقصى- فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صل في بيتك"، فأعاد السؤال، فقال: "أنت أعلم".
التفريع:
إن قلنا بالأول، فهل يلزمه إذا بلغ إليه ضم عبادة أم لا؟ فيه وجهان في "الحاوي"، وشرح الشيخ أبي علي:
أحدهما: لا؛ لأنه لم يلزمه بنذره سواه، ويكون النذر مقصوراً على التبرك بقصده، والمشاهدة له.
وقد اعترض الإمام على هذا، فقال: الصائر إليه ماذا يقول لو أتى باب المسجد وانصرف؟ إن قال: يكفيه ذلك، فقد أبعد؛ لأنه لا قربة فيه، بل هو قريب من العبث.
وإن قال: يدخل المسجد، والدخول من غير اعتكاف وعبادة لا قربة فيه، بل نهي عن طروق المساجد لا لحاجة، والثاني- وهو الصحيح في الرافعي-: أنه يلزمه أن يضم إليه عبادة أخرى؛ وعلى هذا فماذا يلزمه من العبادة؟ فيه أوجه:
أحدها: الصلاة؛ لأنه- عليه السلام- ميز المسجدين عن سائر المساجد بالصلاة، فقال: "صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غيره، وصلاة في مسجد إيلاء تعدل ألف صلاة في غيره، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره"، وإذا كان التمييز بالصلاة، وجب أن يضم إلى الإتيان الصلاة؛ وعلى هذا يلزمه أن يأتي بركعتين؛ كما قاله القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم، وأبداه الإمام احتمالاً لنفسه، بعد أن قال: "والذي أراه: أنه لا يجب ركعتان قولاً واحداً، بل يكفي ركعة؛ لأن الصلاة غير مقصودة بالنذر في هذا الموضع".