الثلاث إذا وجبت، فهل يجب عليه دم واحد أو دمان:
دم لليلة مزدلفة، ودم لليالي منى؟ وفيه قولان في ظاهر المذهب.
ووجه الثاني: أن ليلة مزدلفة مباينة لغيرها من ليالي المبيت؛ كما نبهنا عليه؛ فلتفرد بحكمها.
قال: فإن قلنا بهذا، ففي ليلتي من وجهان:
أحدهما: أنه يكمل فيهما الدم؛ فإن المبيت بمنى جنس كالمبيت بمزدلفة وقد ترك أصل المبيت بمنى؛ فلا يقصر جنس المبيت بمنى عن جنس المبيت بمزدلفة ليلة واحدة، وهذا ظاهر منقاس، وهو الفقه.
والثاني: أنه يجب عليه مدان، [أو درهمان]، أو ثلثا دم، كما تقدم؛ نظراً لتقسيط دم المبيت في الليالي الثلاث.
قلت: وقياس هذا الوجه: أن نقول: إذا قلنا: إنه يجب في ترك ليلة مزدلفة وليالي منى الثلاث دم واحد؛ بجعل المبيت جنساً واحداً - أن يجب في ترك ليلتين من ليالي منى نصف دم، أو مد ونصف، [أو درهم ونصف]؛ لأنهما نصف الأربعة.
وقد حكى الإمام في أصل المسألة قولاً عن رواية صاحب "التقريب" يضاهي قولاً غريباً فيما تقدم، ولكنه ارتضاه هاهنا وإن زيَّفه فيما سبق، وذلك أنه قال: للشافعي - رضي الله عنه - قولٌ: أنه يجب في كل ليلة دم؛ لأن كل ليلة تنسب إلى يومها، وإذا كان الدم يكمل في وظيفة كل يوم، فليكمل في مبيت كل ليلة.
قال الإمام: وهذا يتجه هاهنا اتجاهاً بيناً. والله أعلم.
وقد تقدم الكلام في أن المعتبر في هذا المبيت على قول الوجوب وغيره، هل هو الكون بها معظم الليل، سواء فيه آخره وأولوه كما هو الأصح في مناسك ابن الصلاح - أو الكون بها عند طلوع الفجر؛ لأن المقصود من المبيت إقامة شعار اليوم من الرمي؛ ولذلك لم يجب على من تعجل في اليوم الثاني الرمي قبل الغروب المبيت ليلة اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لسقوط الرمي فيه.
وقد قال الشافعي - كما قال ابن الصلاح -: لو شغله طواف الإفاضة حتى يكون