فلما بلغت الموضع الذي يبدأ فيه السعي، صار ولدها يمري منها، فلم تحب أن تراه في الحال الشديد من العطش، فأخذت في السعي الشديد حتى غاب عن عينها، ثم رجعت إلى سجية المشي حتى رقت "مروة"، ثم سمعت من "صفا" فنزلت من "مروة" وقصدت "صفا"، وهي على سجية المشى، حتى بلغت الموضع الذي يقطع [فيه السعى] فصار ولدها يمري منها، فأخذت في السعي الشديد؛ كراهية أن تراه في الحال الشديد من العطش، حتى بلغت الموضع الذي يبدأ فيه السعي، ثم رجعت إلى سجية المشي حتى رقت "الصفا"، هكذا سبع مرات، فلما كانت في المرة السابعة على "مروة" نظرت فرأت الماء قد نبع من تحت عقب إسماعيل، عليه السلام.
قيل: إن جبريل - عليه السلام - ضرب بجناحه على الأرض؛ [فنبع الماء.
وقيل: إن إسماعيل - عليه السلام - ضرب برجله الأرض]؛ فنبع الماء، وهو ماء زمزم، فابتدرت إليه، فأحاطت عليه التراب، مخافة أن ينفد.
قال - عليه السلام -: "لو لم تحطه، لكان عيناً معيناً".
ثم إن القوافل كانت تجىء من جرهم، فرأوا الطيور يقعن ويجتمعن في ذلك الموضع؛ فعلموا أن به ماء؛ فدنوا منها، وكان يطعمونها الزاد، وتسقيهم الماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم يطعموها الزاد لكانت تسقيهم".
فصار هذا سنة في الحج إلى يوم القيامة، فهذا هو السبب في كيفية السعي.
وأما السبب في أصل السعي، فقد تقدم ذكره في الحديث، وقد زال واستقر حكمه، والله أعلم.
قال: يبدأ بالصفا، والأولى أن يرقى عليها حتى يرى البيت؛ لما روى مسلم وغيره عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم، لما دنا من الصفا بعد فرإغ طوافه، قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقي عليه حتى رأى البيت.