قلت: ولأجل عدم الفرق حكى الفوراني والمسعودي وجهين في أنه إذا قدر على الاستئجار, فلم يفعله, هل يستأجر الحاكم عنه أم لا؟ لكنهما صححا الجواز, ووجهاه بأن الحج إنما يكون على التراخي في الصحة, وهذا يخالف ما ذكره الشيخ؛ وعلى هذا فقد يقال في الفرق بين الحالين: إنه في حال الصحة متمكن من الخروج عن الفرض بنفسه فشابه فرض الصلاة, وفي حال العجز لا يتمكن منه إلا بموافقة غيره, فإذا وجدت, تعين على الفور كالزكاة, ولا يرد الصوم؛ لأنه تعين بحكم الوقت, لكن ترد النذور والكفارات في بعض الصور؛ لأنه لا يتمكن من الخروج عنها إلا بالغير ومع هذا هي على التراخي.

وقد يقال: إن المريض إلى الموت أقرب منه في الظن إلى الحياة, فلذلك يضيق عليه, بخلاف الصحيح, لكن يرد عليه لو كان كذلك: أن يفصل بين الشيخ والشاب في الفورية, ولم يفصل, والله أعلم.

ثم المراد بالفعل في قول الشيخ: "فإن أخر وفعل قبل أن يموت لم يأثم": أن يفعل الحج أو العمرة بنفسه إن استطاع ذلك, وإن لم يستطع بنفسه بل بغيره أن يستأجر من يفعله عنه إن قدر عليه, أو يأذن لمن أطاعه عند عجزه, وقد صرح به الماوردي حيث قال: فإن أذن المبذول له قبل وفأنه, انتقل الفرض عنه إلى الباذل.

وكلام الشيخ مفهم أنه إذا لم يفعل حتى مات [مع تمكنه منه]: أنه يأثم؛ ولذلك لم يذكره عند ذكر هذه المسألة, كما صرح به غيره؛ موجهًا ذلك بأن التأخير جوز بشرط سلامة العاقبة, ولم تسلم. ووراءه وجوه:

أحدها: أنه لا يأثم؛ كما لو أخر الصلاة عن أول الوقت مع التمكن, ومات في أثنائه, فإنه لا يأثم على الصحيح.

والقائل [بالأول] فرق بينه وبين الصلاة: بأن آخر وقت الصلاة معلوم, فلم ينسب إلى التفريط بالتأخير, بخلاف الحج.

والثاني –حكاه ابن الصباغ والغزالي بدلًا عن الذي قبله-: أنه لا يعصي إذا أخر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015