ولأن المرأة لو أسلمت في دار الكفر, لزمها الخروج إلى دار الإسلام وإن كانت وحدها؛ لوجوبه؛ فهكذا هنا, والحيث السابق يحمل على ما إذا كانت لا تأمن على نفسها؛ إذ هو الغالب, أو على سفر الطاعة: كزيارة الوالدين, وحج التطوع, والمباح كالتجارة؛ فإن المذهب –كما قال البندنيجي في العدد؛ تبعًا لأبي حامد-: أن من شرطه المحرم, وإن كان بعض الأصحاب ألحقه بالسفر الواجب, وهو الذي اختار القفال, وقال في "البحر": إنه أصح وأقيس عندي, لكنه مكروه.

ثم محل الوجوب عليها اتفاقًا: إذا لم يطلب المحرم أجرة, فلو طلبها وقد احتاجت إليه, ففي الوجوب وجهان بناهما الإمام على لزوم أجرة البذرقة, وهنا أولى بالوجوب؛ لأن الداعي إلى التزام هذه المؤنة معنى فيها؛ فأشبه زيادة مؤنة المحمل في حق من يحتاج إليه.

واعلم أن [ظاهر] كلام الشيخ هنا يقتضي أمرين:

أحدهما: أن وجود من تأمن معه على نفسها شرط الوجوب, وقد حكى الموفق ابن طاهر عن الأصحاب ترددًا في أن النسوة الثقات شرط في الوجوب أو التمكن, وذلك يطرد في المحرم والزوج.

الثاني: مساواة المرأة للرجل فيما ذكره إلا في اعتبار المحرم ونحوه, وهو الذي ذكره الغزالي؛ حيث قال: واستطاعة المرأة كاشتطاعة الرجل, [و] لكن إذا وجدت محرمًا. واعترض عليه الرافعي, فقال: وليس الأمر على هذا الإطلاق؛ لأن المحاملي وغيره من العراقيين أطلقوا القول باعتبار المحمل في حق المرأة؛ لأنه أستر لها, وأليق بحالها.

قلت: وممن قال بذلك القاضي الحسين, ولا يردّ هذا الاعتراض على الشيخ؛ لأن قوله: "وأن يكون واجدًا لراحلة تصلح لمثله" يخرجه؛ فإن المحمل يصلح لمثلها. نعم, قال الأصحاب: إنا إذا أوجبنا ركوب البحر على الرجل, ففي وجوبه على المرأة وجهان, حكاهما القفال –كما قال في "البحر"- قولين منصوصين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015