حُكِي عن الصحابة - رضي الله عنهم - وعمَّن بعدَهم من الأئمَّة إنما هو من هذا القسم الذي لا خِلافَ فيه، وقد قال الإمام القدوة خطيبُ الشام أبو القاسم الدولقي من أئمَّتنا فِي "مصنفه فِي السماع": إنَّه لم يُنقَل عن أحدٍ من الصحابة - رضي الله عنهم - أنَّه سمع الغناء - أي: المتنازع فيه - ولا جمع له جموعًا، ولا دعا الناس إليه، ولا حضَر له فِي ملأ، ولا خلوة، ولا أثنى عليه، بل ذمَّه وقبَّحه وذم الاجتماع إليه، هذا لفظه ومن خطه - رحمه الله - نقلتُ، انتهى كلام الأذرعي - رحمه الله تعالى.

وبه يعلم أنَّ ابن طاهر لا يجوزُ تقليده فِي نقلٍ ولا عقلٍ؛ لأنَّه فاسدٌ فيهما، كيف وهو كذَّاب مُبتدِع إباحي كما يأتي، وإنَّ من نقل عن الصحابة وغيرهم أنهم نصُّوا على إباحة الغناء المتنازَع فيه، وهو القسم الثاني السابق فقد أخطأ خطأً قبيحًا، وغلط غلطًا فاحشًا؛ لأنَّ الغِناء من أفراده المجمَع على حلِّه والمختلف فِي حُرمته، فتخصيصُ ما جاء عنهم بالثاني تحكُّم فاسد لا تشهد له قاعدة أصوليَّة ولا حديثيَّة، بل الذي شهدت به القواعدُ حملُ ما جاء عنهم على المجمع عليه؛ لأنهم أئمَّة الهدى ومصابيح الدُّجَى، فهم أبعَدُ الناس عن الوُقوع فِي مواطن الخلاف، وأحقُّ العلماء بتجنُّب ذلك السَّفساف - رضِي الله عنهم.

(تَنْبِيه خامس) قد تقرَّر أنَّ القسم الثاني من قسمي الغناء فيه خِلافٌ قوي فِي تحريمه؛ لما مرَّ من نقل القرطبي للتحريم عن أبي حنيفة ومالك، وأولئك الأئمَّةُ الأكابر، قال الأذرعي: والذي يقوَى فِي النفس رُجحانُه تحريمُ الغناء الملحَّن وسماعه على أكثر الناس، والعجب استدلال الرَّافِعِيِّ - رحمه الله [ز1/ 10/أ] تعالى - للكراهة فقط بقوله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ [لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلمٍ} [لقمان: 6] قال ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015