كتابٍ من غير بحثٍ منهم عمَّن رَواها، ولا عن مَدلولها ومَعناها، لما أنَّ حبَّ الهوى أعْماهُم، وعَنْ طريق الهدى أضلَّهم وأغْواهم.

ونظيرُ ما مرَّ عن ابن عبدالسلام من الكَذِبِ والتقوُّل عليه ما نُقِلَ عن تلميذه الإمام المجتهد ابن دقيق العيد أنَّه حضَر السماع بالدُّفِّ والشَّبَّابَة، وكذا جماعة من الفقهاء من حِكاياتٍ كلها لا يُعوَّل عليها ولا يلتفتُ إليها، وبفرض صحَّة ذلك فهو فِي أمرٍ مُختَلَف فيه، وقد مرَّ فِي صحَّته عن العلماء فيه ما فيه مَقنَعٌ لِمَن رُزِقَ أدنى نوعٍ من هداية، وإنما الطامَّة اعتقاد هؤلاء حلَّ الأوتار جميعها، وأنَّه لم يَرِدْ فيها حديث صحيح افتراءً وكذبًا على الله ورسوله؛ قال - تعالى -: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ ... } الآية (?)، ولا منكر أقبح ممَّن يريد أنْ يُحلِّل ما أجمع العلماء على تحريمه، ويوقع العامَّة وغيرهم فِي العمل به وسَماعه، غافلاً عمَّا يترتَّب عليه من الإثم والعِقاب، عافانا الله من ذلك بمنِّه وكرمه، آمين.

ومن العجب أنَّ صاحب ذلك الكتاب سرد عن كثيرين أنهم حضَرُوا السَّماع على حسَب تقوُّله وتهوُّره وكأنَّه لم يطَّلِع على كلام القرطبي وغيره السابق، ولا على كلام الأئمَّة عنهم ولا فهم محلَّ الخلاف من محلِّ الوفاق، وإنما يدلِّس ويُلبِّس [ز1/ 35/أ] ليروج خُرافاته ويُظهِر سَقطاته، ومَن الذي يُحرِّم السماع مُطلقًا حتى يُعرِّض بأنَّه حَرام، وإنما المنكر ما يَزعُمونه من حلِّه بالآلات المحرَّمة بالإجماع، وكلُّ ما حكاه عن أولئك الأئمَّة إنما هو فِي سَماعٍ اختُلِف فيه، كما مَرَّ بيان ذلك واضحًا مبسوطًا، فعليك بتحريره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015