وافترى على الله وعلى نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشريعته الغرَّاء، كيف وقد صرَّح الأئمَّة الحفَّاظ الذين هم أُمَناء الله على شريعة نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتصحيح كثيرٍ من الأحاديث الواردة فِي ذلك كما قدَّمته، ولقد قال بعض الأئمَّة الحفَّاظ: إنَّ ابن حزمٍ إنما صرَّح بذلك تقريرًا لمذهبه الفاسد فِي إباحة الملاهي، وليس كما زعَم وافترى فقد صحَّح ذلك الحديثَ جماعةٌ كثيرون [ز1/ 33/ب] من الأئمَّة الحفَّاظ، ووقَعَ من حديث عَشرةٍ من أصحاب هشام عنه، بل ولم ينفَرِد به كلٌّ من هشام وصدقة وابن جابر؛ أي: فالحديث مشهورٌ عن غيرِ رُواة البخاري أيضًا، وبهذا يتَّضِح لك بُطلان كلامِ ابن حزمٍ، وأنَّ تعصُّبه لمذهبه الباطل أوقَعَه فِي المجازَفة والاستِهتار حتى حكَم على الأحاديث الصحيحة من غير شكٍّ ولا مرية بأنها موضوعةٌ، وقد كذب وافترى؛ ومن ثَمَّ قال الأئمَّة فِي الحطِّ عليه: إنَّ له مجازفات كثيرة، وأمورًا شنيعة نشَأتْ من غِلطه وجُموده على تلك الظواهر، ومن ثَمَّ قال المحقِّقون: إنَّه لا يُقام له وزنٌ، ولا يُنظَر لكلامه ولا يُعوَّل على خِلافه؛ أي: فإنَّه ليس مراعيًا للأدلَّة، بل لما رآه هَواه وغلب عليه من عدم تحرِّيه وتَقواه، ومُبالَغته فِي سَبِّ العلماء وثَلبهم بما أوجَبَ الخزي فِي آخِرته ودُنياه، أعاذنا الله من مثل هذه الأحوال، وبأنها آلةُ شرَبَةِ الخُمور فتَدعُو لشُربِها، وفيه تشبُّه بأهلها، وهو حَرام؛ ولذلك لو رتَّب جماعةٌ مجلسًا وأحضَرُوا آلة الشُّرب وأقداحه، وصبُّوا فيه السكنجبين (?) ونصبوا ساقيًا يَدُورُ عليهم ويسقيهم، ويجيبُ بعضهم بعضًا بكلماتهم المعتادة بينهم حرم عليهم ذلك؛ لما فيه من التشبُّه بأهل المعصية، وبهذا مع ما مرَّ من الإجماع