وهذا الذي ذكره هذا العراقي من أن الاستشفاع بالأموات مجمع عليه، ليس في شريعة أحد من الأنبياء جوازه، وأما شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ففي الكتاب وفي السنة (?) من النهي عن ذلك، وأنه هو الشرك الذي كان يفعله أهل الجاهلية ومن قبلهم من الأمم المكذبة للرسل.
ومما يدل على فساد هذا الإجماع الذي حكاه ما رواه الدارمي في مسنده:
قال حدثنا سعيد (?) بن منصور حدثنا أبو عوانة عن بيان هو [ابن] (?) بشر الأحمسي عن قيس عن مرداس الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يذهب الصالحون أسلافاً؛ ويبقى حثالة كحثالة الشعير" (?) .
وقد أخبر العلماء –رحمهم الله تعالى-كالصرصري- كما تقدم في شعره، وغيره من العلماء أن ذلك وقع في زمنهم، وهم كانوا في القرن السادس قبله وبعده: إن الصالحين مضوا، وذهبوا، وبقيت الحثالة التي اشتدت بها غربة الإسلام؛ وعاد المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير؛ وهدم عليه الكبير؛ وهؤلاء هم الذين ذكر/ العراقي إجماعهم، وبهم اشتدت غربة الإسلام.
وبهذا يحصل الجواب عما ذكره هذا العراقي: أن فلاناً وفلاناً شرحوا البردة، وهؤلاء كلهم ليسوا من أهل العلم، ولا من أهل السنة، وإن كان لهم درايات (?) في علم المعقول، فليسوا من أهله.