...
وذاق حلاوة التحصيل والفهم، وزاحم العلماء الكبار، ورحل إلى البصرة والحجاز مراراً، واجتمع بمن فيها من العلماء والمشايخ والأخيار وأتى إلى الأحساء وهي إذ ذاك آهلة بالمشايخ والعلماء فسمع وناظر وبحث واستفاد، وساعدته الأقدار الربانية بالتوفيق والإمداد، وروى عن جماعة منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني، وأجازه من طريقين، وأول ما سمع منه الحديث المسلسل بالأولية كتب السماع بالسند المتصل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وسمع مسلسل الحنابلة بسنده إلى أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله" قالوا كيف يستعمله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل موته" وهذا الحديث من ثلاثيات الإمام أحمد –رحمه الله- وطالت إقامة الشيخ ورحلته بالبصرة، وقرأ بها كثيراً من الحديث والفقه والعربية، وكتب من الحديث والفقه واللغة ما شاء الله في تلك الأوقات وكان يدعو إلى التوحيد ويظهره لكثير ممن يخالطه ويجالسه ويستدل عليه ويظهر ما عنده من العلم وما لديه، وكان يقول إن الدعوة كلها لله لا يجوز صرف شيء منها لسواه، وربما ذكروا بمجلسه إشارات الطواغيت أو شيئاً من كرامات الصالحين الذين كانوا يدعونهم ويستغيثون بهم ويلجأون إليهم في المهمات فكان ينهي عن ذلك ويزجر ويورد الأدلة من الكتاب والسنة ويحذر ويخبر أن محبة الأولياء والصالحين إنما هي متابتعتهم فيما كانوا عليه من الهدى والدين وتكثير أجورهم بمتابعتهم على ما جاء به سيد المرسلين؛ وأما دعوى المحبة والمودة مع المخالفة في السنة والطريقة فهي دعوى مردودة غير مسلمة عند أهل النظر والحقيقة، ولم يزل على ذلك –رحمه الله- ثم رجع إلى وطنه، فوجد والده قد انتقل