هذه السنة أرسل الشريف غالب رسلاً إلى عبد العزيز أصلح الله تعالى له الحال، وبلغه جميع الآمال، يطلب منه علماء من أهل الدين والتوحيد، ويزعم أنه يقصد بذلك تحقيق هذا الأمر ويريد ويحرّص على قدومهم مع من أرسله من البريدة حتى يقف على الحال عن يقين وعيان، ويحيط بعد ذلك بالعرفان، وينجلي له من المناظرة في شريف ذلك المكان، ما خفي عليه مدة أزمان، وربما تشرق له أنوار شمس البيان، ويحصل منه بعد الإباء والإصرار إذعان، وبعد النفرة عن عذب ذلك المنهل شرب وإدمان، فلما عرف أهل الإيمان، ما قصده ذلك الإنسان، وما حرص عليه من المناظرة لديه والتبيان، رغب أن يكون انقدح له من الدعوة شيء، أو نشر له من الحق طيّ، وربما يبدو من إياب وفي، بعد فرط صدود وامتناع ولي، ويقصي من شاء عن القرب لذلك الجنان، وأيضاً فالهداية والتوفيق قد يكونان في أوقات دون أوقات، ولله في دهره نفحات، كما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بعض الروايات، وكان من حسن سيرة عبد العزيز وفطنته، وبديع هديه وسنته، وعظيم فضل الله ومنته، أنه يدعو إلى الله بالتي هي أحسن وأحكم، ويرشد العباد للتي هي أقوم، فرأى إسعافه بذلك المرام، وإسعاده واختاره أن ينيله مأموله ومراده، فعسى أن يكون له سبب للسعادة، فعند ذلك أرسل إليه من أهل الدين من يكشف عنه شبه المبطلين، ويوضح له سبيل المهتدين، وهم أناس من أهل المنير والتبيين، وحسن المحاضرة في المناظرة بالبراهين، وكبيرهم حمد بن ناصر بن معمر وكان هو المرأس عليهم والمؤمر، فجهزهم بأحسن الجهاز وأتمه، وخولهم من معروفه أعمه، فجردوا للمسير الهمة، وقطعوا تلك المهامة المدلهمة، حتى أتم الله تعالى عليهم الفضل والنعمة، وصرف عنهم البؤس والنقمة، فوصلوا بعد انضاء الأعوجيات، وارقال تلك المهريات،