المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب المصالح والأحوال وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة والتجهم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كطذلك ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم وإذا عرف مقصود الريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه وإذا عرف فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله والطاعات لا بد أن تكون خالصة وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صواباً فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله والهجر لأجل حظ النفس لا يجوز أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا عن هذا ويصد هذا عن هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" فلم يرخص في هذا الهجر أكثر من ثلاث كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث، وفي الصحيح عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا" فهذا لحق الإنسان حرام وإنما رخص في بعضه كما رخص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت وكما رخص في هجر الثلاث فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق النفس فالأول مأمور به، والثاني منهي عنه لأن المؤمنين إخوة وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً" وقال –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي في السنن "ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي