تقدم بيانها آنفاً ولم تعرف من ذلك إلا التصريح بالنهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها وهو من الوسائل والذرائع المفضية إلى محظورات الشرائع وبأبعد ما بينهما فإن هذه وسائل وتلك غايات.
وأما زعمه أنه ليس فيها نهي عن الزيارة ولا تشبيه من يزور قبر نبي أو غيره بعابد الشمس والقمر وغيرهما.
فأقول: بل هذا من سوء فهمك وقصور علمك أليست العلة المحذورة المشبه بها من عباد الكواكب والشمس والقمر وهي اعتقادهم أن أرواح تلك الأفلاك العلوية إذا تعلقت بها النفس الناطقة تفيض عليه الأنوار فلما اعتقدوا ذلك ورجوه منها واعتقدوا فيها بنوا لها الهياكل والبيوت وصوروا فيها تلك الصور وجعلوا لها السدنة والحجاب وقربوا له القرابين وكذلك اليهود والنصارى لما اعتقدوا ما اعتقدوه في أنبيائهم وغلوا فيهم وصرفوا لهم من حق الله ما صرفوه اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصوروا فيها تلك الصور وجعلوا لها السدنة والحجاب وقربوا الهم القرابين والنذور، فلما علم نبينا –صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة تأخذ مآخذ الأمم قبلها نهى عن ذلك وهذه العلة المذكورة موجودة في هذه الأمة من عباد قبور الأنبياء والصالحين حتى بنوا عليها القباب وجعلوا عندها سدنة وقصدها المجاورون وأقدوا عندها السرج وعكفوا عندها واعتقدوا أن لأرواح الأنبياء والأولياء والصالحين تصرفات في الحياة وبعد الممات استغاثوا بهم في الشدائد والبليات واعتقدوا أن بهممهم تكشف المهمات فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات مستدلين أن ذلك منهم كرامات وقد نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته أن تفعل كما فعلت اليهود والنصارى وحذرهم من ذلك غاية التحذير فجاء ورثة الأنبياء والرسل الذين هم أعلام الهدى ومصابيح الدجى فنهوها ما نهى عنه نبيهم –صلى الله عليه وسلم- وجردوا