الخطاب وإنما ذكر في ذلك ما ابتدعته الأمم قبلنا فجرها ذلك الابتدع والغلو إلى الوقوع في الشرك بالله وعبادة الأوثان وذلك أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الأنبياء والصالحين فذكر –رحمه الله- أن الأمم قبلنا ممن كان يعبد الشمس والقمر والكواكب ويعبدون الانبياء والصالحين لما كان في زعمهم واعتقادهم أن تلك الأجرام الفلكية العلوية لها أرواح تدبر وتتصرف في الكائنات بطباعها وقواها وأن لها تأثير في ذلك تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور فبنوا لها الهياكل والبيوت وزخرفوها وصوروا فيها الصور وجعلو لها أستاراً وعكفوا عليها وجعلوا لها السدنة والخدام وذبحوا لها الذبائح وقربوا لها القرابين وعبدوها من دون الله وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة تأخذ مآخذ الأمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو كان فيهم من يأتي أمه علانية لكان في هذه الأمة من يفعل ذلك وثبت في الصحيحين أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن"، وفي "ومن الناس أولئك؟ " وقد وقع ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من أن هذه الأمة ستفعل كما فعلت الأمم قبلها فكان من غلاة هذه الأمة من زعم أن الأنبياء والأولياء والصالحين أحياء في قبورهم وأن لأرواحهم قرباً ومنزلة ومزية عند الله تعالى لا يزال تأتيهم الألطاف من الله تعالى وتفيض على أرواحهم الخيرات فإذا علق الزائر روحه بهم وأدناها منهم فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له وغير ذلك فلذلك بنوا على قبورهم القباب وزخرفوها وجعلوا لها الستور والحجاب والسدنة المجاورين عندها