أبي سفيان والضحاك ابن قيس بيزيد بن الأسود الجرشي، وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء.

فهل يجوز أن يُجمِع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - لو كان جائزًا، سيّما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟! اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول، بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة على أن التوسل المذكور غير مشروع عندهم، فإنهم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

الشبهة الخامسة: حديث الضرير:

أخرج الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: «إن شئتَ دعوتُ لك، وإن شئتَ أخّرتُ ذاك، فهو خير»، (وفي رواية: «وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك»)، فقال: ادْعهُ. فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللهم فشفّعْه فيَّ، وشفّعني فيه. قال: ففعل الرجل فبرأ».

يرى الصوفية: أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيرًا.

وهذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلَف فيه، وهو التوسل بالذات، بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع؛ لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:

أولًا: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليدعو له، وذلك قوله: (ادعُ الله أن يعافيني) فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، لأنه يعلم أن دعاءه - صلى الله عليه وآله وسلم - أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلًا: «اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن يشفيني،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015