يحظوا بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - وشفاعته فيهم، وبينهم وبينه كما قال الله عز شأنه: {وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون:100).
ولذلك لجأ عمر - رضي الله عنه -، وهو العربي الأصيل الذي صحب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولازمه في أكثر أحواله، وعرفه حق المعرفة، وفهم دينه حق الفهم، ووافقه القرآن في مواضع عدة، لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباس - رضي الله عنه -، لقرابته من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية آخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا. وما كان لعمر ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويلجأ إلى التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ممكنًا، وما كان من المعقول أن يقر الصحابة - رضي الله عنهم - عمر على ذلك أبدًا؛ لأن الانصراف عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بغيره ما هو إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة إلى الاقتداء بغيره، سواء بسواء، ذلك أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يعرفون قدر نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيها أحد.
* إن تعليل الصوفية لعدول عمر - رضي الله عنه - عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بالعباس - رضي الله عنه - بأنه لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل هو تعليل مضحك وعجيب.
أ- إذ كيف يمكن أن يخطر في بال عمر - رضي الله عنه -، أو في بال غيره من الصحابة الكرام ن تلك الحذلقة الفقهية المتأخرة، وهو يرى الناس في حالة شديدة من الضنك والكرب، والشقاء والبؤس، يكادون يموتون جوعًا وعطشًا لشح الماء وهلاك الماشية، وخلو الأرض من الزرع والخضرة حتى سمي ذاك العام بعام الرمادة، كيف يَرِد في خاطره تلك الفلسفة الفقهية في هذا الظرف العصيب، فيدَع الأخذ بالوسيلة الكبرى في دعائه، وهي التوسل بالنبي الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ لو كان ذلك جائزًا ـ ويأخذ بالوسيلة الصغرى، التي لا تقارن بالأولى، وهي التوسل بالعباس، لماذا؟ لا لشيء إلا ليبين للناس أنه يجوز لهم التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل!!
إن المشاهد والمعلوم أن الإنسان إذ حلّت به شدة يلجأ إلى أقوى وسيلة عنده في دفعها، ويدَع الوسائل الأخرى لأوقات الرخاء، وهذا كان يفهمه الجاهليون المشركون أنفسهم، إذ كانوا يَدعون أصنامهم في أوقات اليسر، ويتركونها ويدْعون الله تعالى وحده