تخريج القصة: قال الألباني - رحمه الله - في (الصحيحة2928):أورد البيهقي في (الشُعَب) بإسناده عن أبي يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري: حدثني أيوب الهلالي قال: «حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! جئتك مُثْقَلًا بالذنوب والخطايا أستشفع بك على ربك؛ لأنه قال في محكم كتابه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} (النساء:64) ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:
يا خيرَ من دُفِنتْ بالقاعِ أعظُمُه ... فطاب مِن طِيبِهنّ القاعُ والأكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ
قلت (الألباني): وهذا إسناد ضعيف مظلم لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه. وأبو يزيد الرقاشي أورده الذهبي في (المقتنى في سرد الكنى) (2/ 155) ولم يُسَمِّه وأشار إلى أنه لا يُعرَف بقوله: «حكى شيئًا».وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية.
وهي منكرة ظاهرة النكارة وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية!. وهي في (ابن كثير) غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث بل علَّقها على (العتبي) ... وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي. وهي حكاية مستنكرة بل باطلة لمخالفتها الكتاب والسنة ولذلك يلهج بها المبتدعة لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وطلب الشفاعة منه بعد وفاته وهذا من أبطل الباطل كما هو معلوم.
قال الحافظ ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي في الرد على السبكي) (ص 212): «وهذه الحكاية التي ذكرها ـ يعني السبكي ـ بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب بلا إسناد، عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي.
وقد ذكرها البيهقي في كتاب (شعب الإيمان) بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبوحرب الهلالي ...
وفي الجملة؛ ليست الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به الحجة، وإسنادها مظلم، ولفظها مختلف أيضًا، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم».
فهذه القصة مروية عن العتبي وعن محمد بن حرب الهلالي وعن أبي الحسن الزعفراني وعن علي بن أبي طالب بإسناد موضوع، كما حقق ذلك الحافظ ابن عبد الهادي، وكلهم يرويها عن أعرابي أنه أتى إلى القبر فقرأ الآية فرأى العتبي في المنام أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أتاه وقال له: «الحق بذاك الأعرابي وأخبره أن الله قد غفر له بشفاعتي» وهذا منام لا يحتج به، والأعرابي مجهول لا حجة في فعله لو صح الإسناد إليه، فكيف وإسناد القصة لا تقوم به الحجة.
ثانيًا: على فرض صحة القصة ـ وهي غير صحيحة ـ فإن دليل الصوفية في القصة قول العتبي: «فغلبتني عيني فرأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في النوم فقال: «يا عتبي الحق الأعرابي فبشِّره أن الله قد غفر له».
ومتى كانت الأحلام والرؤى مصدرًا من مصادر التشريع؟!!! ولو جاء رجل لأحد هؤلاء الصوفية وقال له: رأيتُ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الرؤيا يأمرك أن تعطيني بيتك بلا مقابل، فهل سيعطيه بيته بلا مقابل؟ بالطبع لن يفعل؛ لأنها مجرد رؤيا، فكيف يقبلون الدين من الرؤى وهو عند كل مسلم أعز عليه من بيته وماله ووالده وولده والناس أجمعين؟
ثالثًا: هذه الآية لم تنزل لهذا الغرض مطلقًا إنما الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يصدون الناس عن متابعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ويتحاكمون إلى الطاغوت ... فهؤلاء إذا جاءوا النبي واستغفروا الله من نفاقهم في مجلسه، وسألوه أن يعقب على استغفارهم لأنفسهم ... بأن يستغفر الرسول لهم عندها يجدون الله توابًا رحيمًا ... ولكن لم يجيئوا ولم يستغفروا، ولم يستغفر لهم الرسول فما علاقة هذا بواقع الأعرابي الذي جاء رسول الله بعد وفاته وطلب منه وهو ميت أن يستغفر لهم. .؟!!