وتوسلات ابتدعوها لم يشرعها الله - عز وجل -، ولم يستعملها رسوله المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم ينقل عن سلف هذه الأمة من أصحاب القرون الثلاثة الفاضلة، وأقل ما يقال فيها: إنها مختلف فيها، فما أجدرهم بقوله تبارك وتعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (البقرة:61).
دفع توهم: حينما ننفي التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وجاه غيره من الأنبياء والصالحين فليس ذلك لأننا ننكر أن يكون لهم جاه، أو قدر أو مكانة عند الله، كما أنه ليس ذلك لأننا نبغضهم، وننكر قدرهم ومنزلتهم عند الله، ولا تشعر أفئدتنا بمحبتهم.
بل إن كل مخلص منصف ليعلم علم اليقين بأن أتباع سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والحمد لله من أشد الناس حبًا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن أعرفهم بقدره وحقه وفضله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبأنه أفضل النبيين، وسيد المرسلين، وخاتمهم وخيرهم، وصاحب اللواء المحمود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى، والوسيلة والفضيلة، والمعجزات الباهرات، وبأن الله تعالى نسخ بدينه كل دين، وأنزل عليه سبعًا من المثاني والقرآن العظيم، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس. إلى آخر ما هنالك من فضائله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومناقبه التي تبين قدره العظيم، وجاهه المنيف صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
إننا من أول الناس اعترافًا بذلك كله، ولعل منزلته - صلى الله عليه وآله وسلم - عندنا محفوظة أكثر بكثير مما هي محفوظة لدى الآخرين، الذين يدّعون محبته، ويتظاهرون بمعرفة قدره، لأن العبرة في ذلك كله إنما هي في الاتباع له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31)، وطاعة الله - عز وجل -، واتباع نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - هما أصدق الأدلة على المودة والمحبة الخالصة بخلاف الغلو في التعظيم، والإفراط في الوصف اللذين نهى الله تعالى عنهما، فقال سبحانه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ} (النساء: 171) كما نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عنهما فقال: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ». (رواه البخاري).