خامس عشر: الاحتفال بالمولد النبوي

1 - لا يجوز الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين، ويرجع ذلك ـ كما يقول الشيخ رشيد رضا ـ إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص شرعي بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنة أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعًا، وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله تعالى وزيادة فيه تُعَد مِن شرْع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم. (?)

2 - بدعة المولد النبوي حدثت بعد القرون الثلاثة المفضلة، كما قال الحافظ ابن حجر، والحافظ السخاوي.

5 - الاحتفال بالمولد فيه مشابهة للنصارى في احتفالهم بميلاد المسيح - عليه السلام -.

6 - المولد النبوي نفسه، بمعنى وقت ولادته، اختلف في تحديد يومه وشهره بين علماء المسلمين ممن كتب في السير والملاحم والتاريخ، مع اتفاقهم على أنه يوم الاثنين كما ورد بذلك الخبر الصادق عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

7 - ومن دوَّن فيه وكتب من أهل العلم، فلكونه من أحداث السيرة النبوية، فيذكرون الإرهاصات السابقة لمولده - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم مولده ونشأته وحياته قبل البعثة وبعدها إلى يوم وفاته.

8 - وأما الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو ممكن عقلًا لمن حضر ذلك اليوم الذي ولد فيه، وأما بعده فلم يبق إلا حدثًا وسيرة كسائر الأحداث والسير التي مرت في حياته - صلى الله عليه وآله وسلم -.

9 - ومعلوم أن حياة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - امتدت ثلاثة وستين عامًا، منها أربعون قبل البعثة وثلاثة وعشرون بعدها، فكل يوم فيها هو يوم من حياته الشريفة المباركة ولا يقل شرفًا ولا أهمية عن يوم ولادته بل قد يفضل عليه، كيوم بعثته مثلًا.

10 - والاحتفال بمولده بمعنى إحياء ذكرى ذلك اليوم واتخاذه عيدًا يتكرر على الدوام، لم يفعله صاحب الشأن نفسه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يرغب فيه حتى مات - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يفعله صحابته الكرام ولا أزواجه ولا أهل بيته ولا التابعون ولا أتباعهم ولا الأئمة الأعلام.

11 - ومضت تلك القرون الفاضلة والأمر على ما هو عليه من ترك الأمة كلها من شرقها إلى غربها الاحتفال بذكرى المولد أو غيره من الأيام، التي لا تقل عنه أهمية، فهي جزء من حياة خير الأنام - صلى الله عليه وآله وسلم -.

12 - هذا وقد كثرت مجالسهم في فنون العلم، في التفسير والحديث والفقه واللغة والأدب والشعر، وسائر العلوم والفنون، ولم يخصوا مجلسًا واحدًا ولا محفلًا واحدًا من تلك المحافل على تنوعها، باحتفال بذكرى أي يوم من تلك الحياة الشريفة الحافلة.

13 - حتى إذا حدث النقص في الأمة في القرون التالية للقرون الفاضلة وتقلد زمام الأمر فيها فرقة باطنية ضالة، أبطنت الكفر والزندقة وأظهرت الإسلام والتشيع، وصارت لها دولة، هي الدولة العُبيدية، وهي المسماة بالدولة الفاطمية، فأحدثت الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وكان ذلك في سنة 361هـ.

فتأمل ـ رحمك الله ـ كيف يمكن أن يهمل خير هذه الأمة وأبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا، قربة من أعظم القرب، ويغفلون عنها، ويتتابعون على هذا الإهمال وذلك الإغفال كابرًا بعد كابر، وجيلًا بعد جيل، ثم يهتدي إليه ويسبقهم إليه أصحاب تلك النحلة الخبيثة الباطنية!!!

14 - وإن تعجب، فعجب قول بعض الناس (إن لنا على ذلك الاحتفال أدلة)، أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين دليلًا، بعضها من القرآن وبعضها من السنة وبعضها أدلة عقلية!! وكيف فات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استنباطها من القرآن وهو ينزل عليه، ومن السنة وهو الناطق بها؟

ثم كيف فات أكابر الصحابة وعلماءهم وفضلاءهم، والله تعالى يقول: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء:83)؟

وقل مثل ذلك في التابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من علماء الأمة، كيف عميت عليهم معاني تلك النصوص وغبي عليهم فهمها، وهم أساطين العلم والفهم والعقل؟

* ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى - عليه السلام -، وإما محبة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ــ لا على البدع ــ من اتخاذ مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا لكان السلف - رضي الله عنهم - أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان.

وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حُرَّاصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حُسن القصد، والاجتهاد الذي يُرجَى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أُمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلًا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها.

الرد على الشبهات:

الشبهة الأولى: قول بعض العلماء أن الاحتفال بالمولد بدعة حسنة.

* الرد:1 - من المعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قضى وقرر بأن كل بدعة ضلالة، ولم يرِدْ نَصّ من كتاب أو سنة يمكن أن يُستَنَد إليه في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة.

2 - الاحتفال نفسه من المنكرات شرعًا لأنه بدعة وكل بدعة ضلالة.

الشبهة الثانية: ما نُقل عن الحافظ ابن حجر العسقلانى من تخريج الاحتفال بالمولد على صيام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم عاشوراء حيث إن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: «هذا يوم أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015