ويدل عليه أيضاً: ما خَّرجه مسلمٌ في (صحيحه) من حديث ابن الزبير، أنه كان يقول في دبر كل صلاةٍ حين يسلم: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»، وقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يهل بهن في دبر كل صلاةٍ.
ومعنى: (يهل). يرفع صوته، ومنه: إلاهلال في الحج، وهو رفع الصوت بالتلبية، واستهلال الصبي إذا ولد.
وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يجهرون بالذكر عقب الصلوات، حتى يسمع من يليهم: فخَّرج النسائي في (عمل اليوم والليلة) من رواية عون بن عبد الله بن عتبة، قال صلى رجلٌ إلى جنب عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعه حين سلَّم يقول: «أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام»، ثم صلى إلى جنب عبد الله بن عمر، فسمعه حين سلم يقول مثل ذلك، فضحك الرجل، فقال له ابن عمر: ما أضحكك؟ قال: إني صليت إلى جنب عبد الله بن عمروٍ، فسمعته يقول مثلما قلت: قال ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول ذلك (?).
وأما النهي عن رفع الصوت بالذكر، فإنما المراد به: المبالغة في رفع الصوت؛ فإن أحدهم كان ينادي بأعلى صوته: (لا إله إلا الله، والله اكبر) فقال لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تنادون أصم ولا غائبًا»، وأشار إليهم بيده يسكنهم ويخفضهم. وقد خرّجه الإمام أحمد بنحو من هذه الألفاظ.