القربة لابد أن تكون مشروعة.
وأما ما فعله الخلفاء ولم يكن موجودًا من قبلُ فهو لا يخرج عن أمور لم يوجد لها المقتضي في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بل في عهد الخلفاء كجمع المصحف، أو كان المقتضي موجودًا في عهد الرسول ولكن كان هناك مانع كصلاة التراويح في جماعة فإن المانع من إقامتها جماعة والمواظبة عليها خوف الفرضية، فلما زال المانع بانتهاء زمن الوحي صح الرجوع فيها إلى ما رسمه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حال حياته.
* ما تركه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يفارق الدنيا إلا بعد أن أكمل الله الدين وأتم نعمته على المسلمين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} (المائدة: 3).
* عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه مَنْ بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحًا، إذ لو كان صحيحًا لم يعزب عن فهم السلف الصالح ويفهمه من بعدهم، كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلًا عليه؛ إذ لو كان دليلًا لعمل به السلف الصالح.
التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بفعله وتركه هو من اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه، ولو عوّلنا على العمومات وصرَفْنا النظر عن البيان لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده.
مثال: قال تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) لو صح الأخذ بالعمومات لصح أن يُتقرب إلى الله بالصلاة والسلام على النبي في قيام الصلاة وركوعها واعتدالها وسجودها إلى غير ذلك من الأمكنة التي لم يضعها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فيها، ومَن الذي يجيز التقرب إلى الله تعالى بمثل ذلك وتكون الصلاة بهذه الصفة عبادة معتبرة؟ وكيف هذا مع حديث «صلوا كما رأيتموني أصلى» (رواه البخاري)، فلا يقرب إلى الله إلا العمل بما شرع، وعلى الوجه الذي شرع.