الشبهة الثانية: كون قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجده الشريف، ولو كان ذلك لا يجوز لما دفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في مسجده!

والجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، فإنهم لما مات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب، كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء، ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة - رضي الله عنهم - حينما دفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحجرة، إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجدًا، كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره، ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم! ذلك أن الوليد بن عبدالملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حُجَر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة - رضي الله عنها -، فصار القبر بذلك في المسجد، ((تاريخ ابن جرير) (5/ 222ـ223) و (تاريخ ابن كثير) (9/ 74ـ75))، ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافًا لما توهم بعضهم، قال العلامة الحافظ محمد ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي) (ص 136): «وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبدالملك، بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان آخرهم موتًا جابر بن عبدالله، وتوفي في خلافة عبدالملك، فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولى سنة ست وثمانين، وتوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك».

فلا يجوز لمسلم أن يحتج بما وقع بعد الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها، وهو مخالف أيضًا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك ـ عفا الله عنه ـ، ولئن كان مضطرًا إلى توسيع المسجد، فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو - رضي الله عنه - بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015