من بعض الرواة، إذ قد تقدم في الأحاديث أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال باب لد، وذهب شيخنا عبد اللَّه الغمارى في كتابه (إقامة البرهان) إلى سلامة هذه الرواية من تصرف الرواة، إذا وسع الكلام في بيان معنى الحديث وتوجيهه فقال: هذا الحديث يفيد أن قتل الدجال يحدث وعيسى بن مريم في صلاة، مع أن الأحاديث الأخرى التي ذكرت أن عيسى يقتل الدجال بباب لد أو قريب منه، لم تذكر أن ذلك يكون أثناء الصلاة، فكيف الجمع بين هذه وذاك؟
والجواب: عن ذلك سهل بتسهيل اللَّه، غير أنه يتوقف على مقدمة وهى:
إن الذي دلت عليه الأحاديث أن عيسى عليه السلام يصلى أول صلاة بعد نزوله من السماء -وهى صلاة الصبح- مؤتمًا بإمام المسلمين، إظهارًا لكرامة هذه الأمة وفضلها، ثم بعد ذلك يتقلد عيسى مقاليد الأمور، ويصير خليفة المسلمين، وتجمع له الصلاة أي يصير هو الإمام فيها مع قيامه بأعباء الإمامة العظمى، ومن هنا تعلم أن قوله في هذا الحديث: (فيؤمهم) على ظاهره، أي فيؤمهم في الصلوات، ولا شك أن مما شرعه اللَّه لهذه الأمة في جهادها مع العدو صلاة الخوف.
إذا تقرر هذا: فالحديث محمول على أن عيسى عليه السلام يؤم المسلمين في صلاة خوف وهم يقاتلون الدجال ومن معه، فإذا رفع عيسى رأسه من الركوع أمكنته الفرصة من العدو، فيحمل على الدجال فيقتله، ومباشرة الأعمال الضرورية لا تمنع منها الصلاة كما هو معروف.
وهذا معنى قوله (وينزل عيسى بن مريم فيؤمهم، فإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع اللَّه لمن حمد، قتل الدجال). أي على يد عيسى عليه السلام وإسناد القتل إلى اللَّه من باب قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ