فتمرغ في التراب وصلى.
وقال عمران بن حصين: رأى رسول الله رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم، فقال له: «ما منعك أن تُصلي في القوم؟ » قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عليك بالصعيد، فإنه يكفيك»، فكان تعويض الطهارة المائية بغير مائية شرعًا غريبًا خفي الحكمة، وكنت زمانًا أحسبه من متشابه الشريعة، ولكني لم ألبث أن ألهمت إلى حكمة دقيقة فيه لم تبد لأحد فيما رأيت، تلك هي التنبيه على عظم قدر الصلاة، وتأكد وجوب التطهر لها، بأن أرادت الشريعة إقامة عمل مُقام الطهارة، حتى لا يستشعر المسلم أنه يناجي ربه بدون تطهر، وحتى لا تفوته نية التطهر للصلاة، فلا يفوته ذلك المعنى المنتقل به من طهارة الظاهر إلى طهارة الباطن، وحتى لا يظن أن أمر الطهارة هينٌ، وفي إقامة ذلك العمل مقام الطهارة تذكير مستمر بها، حتى لا ينسى العود إليها عند زوال ما منعه منها.
هذا العمل هو عمل رمزي محض، وهو توهم المتطهر أنه يتطهر بمصدر الماء ومنبعه قراره، وهو الحجر والتراب إذ الأرض منبع الماء وقراره، قال الله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَار} [البقرة: 74]. وقال: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: 18] فأولى الأشياء بالماء وأقربها إليه هو الأرض وما ظهر عليها، وهو الصعيد المقصود في آية التيمم.
وأحسب أنه لا يوجد حكم وهمي في شرائع الإسلام غير التيمُّم، فلا تنتقض القاعدة التي أصلناها في كتاب «أصول النظام الاجتماعي»، وهي أن الإسلام حقائق لا أوهام.
ولكون التيمم طهارة رمزية اكتفى فيه بمسح الوجه واليدين عن الوضوء وعن الغسل مع أنهما دون أعضاء الوضوء، بله أعضاء الغُسل. وقد ظن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - لزوم إحاطة الجسد بالمس بالتراب للجنابة، فتمرغ في التراب، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يكفيك الوجه والكفان» رواه البخاري وغيره.