ولم يختلف علماء الإسلام في عقوبة تارك الصلاة عقابًا شديدًا، وإنما اختلفوا في دلالة تركها بعد الوعظ والتأخير إلى آخر وقت الصلاة على كفر تاركها، فقال بكفره جمع من الصحابة والأئمة وهو قول ضعيف المدرك؛ إذ لا كفر بذنب عند كافة أهل السنة وإثبات ذلك في ترك الصلاة دون غيرها من العبادات تحكم.
عناية الشريعة بأمر الصلوات الخمس عناية قوية، ومن آثار تلك العناية أن حددت للصلوات أوقاتًا توقع فيها؛ لئلا يكون إيكال ذلك إلى تعيين الناس لأنفسهم أوقاتًا، وسيلة إلى التقاعس عنها، وتعلة النفوس بالمطل فيها، فتجتمع صلوات فتثقل على المصلي فيتركها.
وكان من الحزم لإقامة الصلوات أن تعين لها أوقات ضيقة، إلا أن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء، فوسع على الأمة أوقات الصلوات رفقًا بهم، وليَظهر تفاوت حرصهم على العبادة، فلذلك لم يختلف علماء الأمة في أن أوائل الأوقات أفضل لإيقاع الصلوات، أو هي متعينة عند القائلين بأن الوقت الذي هو أداء هو أول الوقت وما بعده قضاء سدَّ مسد الأداء، وهو نظر ضعيف، ثم جعلت الشريعة لأهل الضرورات سعة أخرى في الوقت، وما بعد ذلك فهو قضاء يُعدُّ المؤخر إليه آثمًا.
فأوقات الصلوات هي أزمنة مقدرة لإيقاعها بتقديرٍ من الله تعالى.
ولا شك أن تعيين تلك الأوقات مشتمل على حكم ومصالح.
وجماع القول فيها عندي: إنها أوقات لذكر الله تعالى بابتداء شئون الناس، وانتهاء تلك الشئون ليراقبوا الله في أعمالهم وصنائعهم، وليشكروه عند العود منها بأحوال الشمس ظهورًا ومغيبًا؛ لأن الناس على أحوال الشمس انتظمت مبادئ شئون الناس ونهاياتها، وتلك الشئون هي الهبوب من النوم، والرجوع من العمل، واستقبال عمل المساء، والرجوع منه، والاستعداد للنوم. فتلك على الترتيب: هي الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. ومناسباتها الروحية لشكر الله تعالى، الذي هو السر الأعظم للصلاة واضحة للمتأمل.
وقد ذكر القرآن أوقات الصلوات واستوعبها إجمالًا بقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ} [سورة الإسراء: 78]، وبقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [سورة هود: 114]، وبقوله: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [سورة الروم: 17 - 18].