فأما الزيادة التي في حديث ابن عمر في «الموطإ»: «وألحق الولد بالمرأة»؛ فقد تدل بدلالة الاقتصار أنه لم يلحقه بأبيه؛ لأن في القضية أن الأب انتفى من ذلك الولد فأبى الدارقطني قبول هذه الزيادة، وقال: إنها تفرد بها مالك رحمه الله، يريد أنه حديث غريب فيما تتوفر الدواعي على نقله. وانتصر ابن عبد البر لمالك.
والحق عندي أن حديث ابن عمر لا يقتضي أكثر من كون نفي الحمل قذفًا للمرأة وأنه يجد منه الزوج مخرجًا باللعان، كما يجد به مخرجًا من القذف بدعواه زناها. وأما ما زاد على ذلك فهو مجال للاجتهاد ليس ثابتًا بالأثر ولم يذكر مالك في «الموطإ» أن العمل جرى بذلك.
والمقام مقام عسير فإن فيه حق الولد في لحاق نسبه وهو أعظم من حق المرأة في قذفها. فإذا كان الله تعالى قد جعل للمرأة مقالاً تدفع به زوجها عن انتهاك عرضها، فهو أعدل من أن لا يجعل للولد مقالاً يصد أباه عن المجازفة في قطع نسبه، وقد علمنا أن حفظ النسب أقوى في نظر الشريعة من حفظ العرض، فقد اختلفوا في عد حفظ العرض من الكليات الضرورية. وأنه لا أغض النظر عن عم أمر لحاق النسب عند العرب، وعن ذكاء العربي، وصحة تفكيره، وعن حرص العرب على إلحاق أولادهم بهم، حتى لقد كانوا يستلحقون أبناءهم الذين من بغاء أو من زنى في الجاهلية، ولقد كانوا يكلون أمر تحقيق الشبه عند الشك إلى القافة من بني مدلج، وأنه ليس بالهين عليهم رمي أزواجهم بالزنا ونفي أولادهم من ذلك، غير أني لا أنسى أيضًا أن تنصلهم من العار عند القالة، واندفاعهم إلى الغضب عند الغيرة، واعتماد البعض منهم على حدة الذكاء اعتمادًا يجعله يقدر هواجسه حقًّا، وامتلاء عقولهم بأوهام تجافي الحقيقة من زعمهم الشبه واللون ومدة الحمل دلائل على صحة النسب وبطلانه، وكان على ذلك معتمد قافتهم، وكان ذلك داعيًا لشك كثير منهم في أولادهم.
كما جاء في حديث أبي هريرة في «صحيح مسلم» أن فزاريًّا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، يعرض بأن ينفيه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: