حكى عياض، وابن الصلاح عن أبي عبد الله البخاري أنه قال: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر. قال عياض: ويليه في الصحة: مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه، ثم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قال جلال الدين السيوطي: قال بعض العلماء: إن البخاري إذا وجد حديثًا يؤثر عن مالك لا يكاد يعدل به إلى غيره حتى أنه يروي في «صحيحه» عن عبد الله بن محمَّد بن أسماء عن عمه جويرية بن أسماء عن كالك (يعني يتكلف الوصول إلى حديث مالك ولو من سندٍ بعيدٍ).
قلت: وروَى عن صدقة بن الفضل، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، وعن محمَّد بن المثنى، عن ابن مهدي عنه.
وإنما اختلفوا فيما يحتويه «الموطأ» من القسم الثاني، وهي الأحاديث المرسلة التي يرسلها التابعون عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإنما قلت: «التي يرسلها التابعون»؛ لاتفاق الجميع على قبول مراسيل الصحابة، فإن معظم أحاديث ابن عباس مراسيل؛ لأنه لم يجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قليلًا لصغره؛ ولكنه كان يلازم كبار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخلص له من رواياتهم ما يوقن بصحة نسبته إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيحدث به عن رسول الله غير مبين من رواه له، وقد بين ذلك قوله في حديث أبي العالية عنه في «صحيح البخاري»: «شهد عندي رجالٌ مرضيُّون وأرضاهم عندي عمر: أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب».
ومن مراسيل التابعين نوع لا خلاف في جعله كالمسند؛ وهو أن يحدث التابعي أن صحابيًا ممن أدركهم قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا. فهذا له حُكمُ قوله: إن الصحابي أخبرني بكذا. فأما الذين يرون الاحتجاج بالحديث المرسل من التابعي الثقة فإنهم