ذلك فيما تلقاه من علوم اليهود قبل إسلامه. وقسمه هذا من لغو اليمين الذي لا يؤاخذ به الحالف، وهذا ظنٍّ قديم يظنه الناس الذين لا يشاهدون كيفية تولُّد الجراد؛ لأنه يتولَّد في الصحاري الرملية فإذا طار ألقته الرياح بالبحر ويرميه البحر، فيراه أهل الشطوط، فيحسبونه خرج من البحر فإذا رأوه طائرًا ظنوه طار من البحر، وهذا خطأ بل هو من خشاش الأرض يتولَّد كما يتولَّد النمْل، وقد وضعت العرب أسماء لبيضه ودوده. وفي القرآن: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 7]، فشبَّه هيئة خروجهم من القبور بهيئة خروج الجراد من بيوته، وفي القرآن: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: 4]، والفراش: دود الجراد قبل أن يستكمل الأجنحة. وسكوت عمر على فتوى كعب الأحبار في الجراد سكوت توقف؛ لعدم ظهور دليل خطأ كعب الأحبار. ومالك رحمه الله لم يأخذ بقول كعب، ورأى على مَن قَتلَ الجراد وهو مُحرم الفِدية.
وهذا يكشف حال الحديثين اللذين أخرجهما أبو داود عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الجراد من صَيد البحر»، وقد قال أبو داود عقب ذلك: والحديثان وَهم. وفي أحد الحديثين أبو المهزِّم وهو الذي اقتصر عليه الترمذي، فأما التِّرمذي فقال: هذا الحديث لا نعرفه إلَّا من حديث أبي المهزِّم وقد تكلَّم فيه شعبه. وأما أبو داود فقال: أبو المهزِّم ضعيف.
معلوم أنَّ المحرم لا يجوز له أن يَصيد صَيدَ البر، وأنه إذا صاد صيدًا، فقد فعل حرامًا، ولا يجوز له أكله فليس ذلك بمقود من هذه الترجمة، إنَّما المقصد منها التنبيه على أن بعض ما يصيده غيرُ المحرم لا يحل أكله للمحرم، ليَذكر الآثار التي يظهر منها أن المُحرم لا يأكل الصيد، وإنما محملها على صيد له حالة خاصة، وهو هنا ما صِيد لأجل المحرم، ومَا تردد المحرم في مقصد صائده، فقد كان الأعراب يصيدون الصيدَ