وقوله: «فتحت أبواب الجنة» ليس المراد به فتحها لدخول الداخلين؛ لأن ذلك إنَّما يكون بعد الحساب وقد جعل هنا عند دخول رمضان، فالمراد لا محالة فتح من قبيل دلالة الفعل على فضل شهر الصيام ليرى الملائكة ما أعدَّ الله للصائمين فهي بمنزلة الكناية. وقد روى: «فُتحت أبواب السماء». ومعناها التهيئة لقبول العمل كما جاء في عكسه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40]. وروى: «فتحت أبواب الرحمة» وهي ظاهرة.
وقوله: «وغلقت أبواب النار» دلالة بالفعل أيضًا كالكناية عن المغفرة وتبشير الطاعة. وتصفيد الشياطين تمثيل لتعطيل كثير من حيل الشيطان وحبائله؛ لأن المصفَّد تقلُّ حركاته وتصرُّفاته، فليس في الحديث دلالة على تمحُّض الناس في أيام الصيام للطاعات وعصمتهم من المعاصي. ومن حمله على ذلك لم يجد التأمل فيما يؤول إليه كلامه من مخالفة الحديث لما هو مشاهد.
وقوله: «فتُحت، وغُلقت، وصفدت» ثلاثتها بالتشديد للدلالة على قوَّة الفعل في ثلاثتها، قال تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} وقال: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف: 23].
***
وقع فيه قال يحيى: سمعت مالكًا يقول في صيام ستَّة أيَّام بعد الفطر من رمضان: إنَّه لم يرَ أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأنَّ أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدْعَته، وأن يُلحِقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجَفَاءِ لَوْ رَأوا في ذلك رخصةً عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك.
أي: فهو ليس من السنة ولم يثبت بوجه تطمئن له النفس، ولو كان من السنة ما تركه أهل العلم والفقه والسلف. وكان مجرَّد عدم ثبوته في السنة غير قاض بكراهته إلَّا أنه قد عرض له ما أوجب كراهته وهو ما بينه مالك رحمه الله.
فقوله: «ويخافون بدعته» أي: يخافون أن يصر ذلك الصوم بدعة. واسم البدعة قد صار علمًا بالغلبة على الحدث المذموم في الدين ولو بالكراهة؛ لأنَّ التزام عدد معين من الأيام والتزام وقت له أثر يوم الفطر يوهم أنَّه ملحق برمضان؛ فذلك كرهه العلماء