وقع في أكثر النسخ كتاب الزكاة قبل الصيام، ووقع في بعض النسخ كتاب الصيام قبل الزكاة.
الزكاة اسم جاء في الإسلام مرادًا به الحق الذي يجب على الغنيِّ إعطاؤه من ماله لنفع فقراء المسلمين ونوائب المسلمين؛ وكأنها سميت زكاة؛ لأنها تزكي المال، أي: تطهره من الفساد والتبعات. وأحسب أ، هذا المعنى كان معروفًا في كلام العرب؛ لأن هذا اللفظ ما ورد في آيات القرآن لم يحتج الرسول عليه الصلاة والسلام لتبيين المراد منه، فالزكاة أخص من الصدقة؛ لأن الزكاة حقٌ لله في مال الغني والصدقة عطية يتطوع بها المُعطي وإن لم يكن غنيًّا، ومن الزكاة يكون جزء عظيم من الأموال التي تنفق في المصالح العامة للمسلمين المعبَّر عنها ببيت المال، وقد قال أبو بكر لعمر بن الخطاب في المحاورة التي دارت بينهما حين عزم على قتال مانعي الزكاة لأقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال»، وقد كانت بذلك جديرة أن تعدَّ في شعائر نظام ولاية أمر المسلمين، ولكن الله رفع قدرها؛ فجعلها عبادة وقربة وقارن بها الصلاة تنويًها بشأنها، وجعلها من خطاب التكليف المقصود لذاته، وجعل الغني المعبر عنه بالنصاب، ومرور الحول الذي يتحقق به الغنى فيما اشترط فيه مرور الحول بمنزلة تسقط الزكاة عن أيتام المجانين؛ لأنها حقُّ المال، وليست عبادة على المعنى الأتمِّ؛ ليكون بذلك كله داعي المسلم إلى إعطائها من نفسه؛ لأنه يراها ذخرًا اتخذه عند ربه. وبهذا الجعل الإلهي يكون تناول الفقير حظه من مال الزكاة غير مُغض به؛ فيبقى بذلك حسنّ المبرة بين أغنياء الأمة وفقرائها. ولو جُعلت الزكاة بمنزلة المغارم المالية، ونزلت منزلة آثار خطاب الوضع، مثل ضمان قيم المتلفات، فاعتبر الغنى أصلًا والزكاة فرعًا له -لحديث في النفوس أنفة تبعثهم على منعها علينًا أو خفية؛ فينقطع بذلك حبل التواصل بين الأغنياء والفقراء وبين الراعي والرعية؛ وذلك يدخل خللًا عظيمًا يميت من الأمة رابطة التعاون على المصالح ويفتح أبواب التأويل لمنع الزكاة؛ وذلك خيال لما تخيَّله