من العمل ما لكم به طاقةٌ».
قوله: «إن الله لا يمل حتى تملوا» الملل المغني نفيه عن الله تعالى هو ملل مجازي لاستحالة الملل عليه تعالى، فاستُعمل في لازم معناه، وهو نقص الثواب أو قطعه، وهذا لازم الملل ونحوه والتمجز عنه بالملل ونحوه معروف في كلام العرب، قال زهير:
ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ... ولا يُعفها يومًا من الذُّل يسأم
أي: يمل، فيقطع عنه العطاء والرفد، فكنى بالسآمة عن قطع العون، والمقصد الشرعي من هذا أن يكون المسلم في تطوعه بالعبادة مقبلاً بنشاط ومحبة، فإذا كلف نفسه من العبادة ما لا يطيق مل، واستثقل العبادة، فصار يأتيها عن كراهة وضجر فلم يحصل نور الإقبال بالشراشر على مناجاة ربه، فلم يكن جديرًا بفرط الثواب.
وقوله: «اكلفوا من العمل ما تطيقون»، يقال: كلف بكذا من باب فرح: أي أولع وأحب، وحذف باء الجر من قوله: «ما تطيقون» فعُدي الفعل بنفسه على طريقة التوسع؛ أو لأنه ضمن (اكلفوا) معنى اعملوا، فعبر عن العمل بالكلف؛ لأن العمل من لوازم المحبة؛ إذ لا يفعل الطائع فعلاً إلا هو عن محبة؛ إذ لا إكراه عليه. وفي هذا التضمين نكتة بديعة وهي الإشارة إلى علة النهي التي قدمناها، وهي أن الشأن أن يكون عمل المتطوع عن محبة وإقبال، فعبر عن اعملوا بـ (اكلفوا) ببداعة بليغة.
وقع فيه قول: زيد بن خالد «فتوسدت عتبته». العتبة بالتحريك: أسكفة