[15] اعْلَم أَن الْأَنْبِيَاء بعثوا بِالرَّحْمَةِ واللطف، فَلَا يقصدون بِالْقَتْلِ إِلَّا المبارز بالعناد، وَكَذَلِكَ لَا يبلغ أَذَى الْمُشرك إِلَى أَن يدمي وَجه نَبِي الله إِلَّا وَقد فاق فِي العناد، فصلح هَذَا أَن يُقَاتل بِشدَّة الْغَضَب عَلَيْهِ. وَقد كَانَت تدمية وَجه رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد، ويومئذ قتل أبي بن خلف. فَأَما تدمية وَجهه، فَإِنَّهُ لما فر النَّاس ثَبت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عِصَابَة من أَصْحَابه عَددهمْ أَرْبَعَة عشر، فَجعل يَرْمِي عَن قوسه حَتَّى صَارَت شظايا، وَأُصِيبَتْ رباعيته وكلم فِي وجنته وَوَجهه، وعلاه ابْن قميئة بِالسَّيْفِ فَضَربهُ على شقَّه الْأَيْمن، فاتقاه طَلْحَة بن عبيد الله بِيَدِهِ فشلت إصبعه، وَحِينَئِذٍ قَالَ: " كَيفَ يفلح قوم دموا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله عز وَجل " فَنزلت: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} الْآيَة [آل عمرَان: 128] . [15] وَأما قَتله أبي بن خلف، فقد روى مُحَمَّد بن سعد عَن سعيد بن الْمسيب أَن أبي بن خلف أسر يَوْم بدر، فَلَمَّا افتدي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن عِنْدِي فرسا أعلفها كل يَوْم فرق ذرة لعَلي أَقْتلك عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بل أَنا أَقْتلك عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى " فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد أقبل يرْكض فرسه تِلْكَ حَتَّى دنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاعْترضَ رجال من الْمُسلمين لَهُ ليقتلوه، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " استأخروا، استأخروا " وَأقَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ بِحَرْبَة فِي يَده فَرمى بهَا أبي بن خلف فَكسرت ضلعا من أضلاعه، فَرجع إِلَى أَصْحَابه ثقيلا فاحتملوه، وَطَفِقُوا يَقُولُونَ لَهُ: لَا بَأْس، فَقَالَ لَهُم أبي: ألم يقل لي: " بل أَنا أَقْتلك إِن شَاءَ الله " فَمَاتَ بِبَعْض الطَّرِيق، فدفنوه، وَفِيه أنزلت: