الْإِشْكَال من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يقدم حَدِيث ابْن مَسْعُود لِأَنَّهُ مُثبت وَابْن عَبَّاس يَنْفِي، وَقَول الْمُثبت مقدم. وَالثَّانِي: أَن يكون حَدِيث ابْن عَبَّاس مُتَقَدم، بِدَلِيل أَنه وصف فِيهِ تحير الشَّيَاطِين لوُقُوع الشهب، وَإِنَّمَا وَقعت عِنْد المبعث، وَحَدِيث ابْن مَسْعُود فِي حَال أُخْرَى بعد ذَلِك. وَيدل على أَنَّهُمَا حالتان أَن فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: جَاءُوا وَهُوَ لَا يعلم، فَأُوحي إِلَيْهِ {أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} . وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: استدعوه فحضرهم. [15] قَوْله: وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء، وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب. اخْتلف الْعلمَاء: هَل كَانَت الشَّيَاطِين ترمى بالنجوم قبل مبعث نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا لم ترم حَتَّى بعث، وَظَاهر هَذَا الحَدِيث يدل على ذَلِك، ويقويه قَوْله تَعَالَى: {فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا} [الْجِنّ: 19] وَقد اسْتدلَّ الزّجاج على صِحَّته: أَن قَالَ: لم يُوجد فِي شعر شعراء الْعَرَب الَّذين يمثلون بالبرق والأشياء المسرعة ذكر الْكَوَاكِب المنقضة، فَلَمَّا حدثت بعد مولد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْملت الشُّعَرَاء ذكرهَا، فَقَالَ ذُو الرمة.

(كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عفرية ... مُسَوَّم فِي سَواد اللَّيْل منقضب)

[15] وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه قد كَانَ قبل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِدَلِيل مَا سَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي نفر من أَصْحَابه إِذْ رمي بِنَجْم فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ: " مَا كُنْتُم تَقولُونَ إِذا كَانَ مثل هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة؟ " قَالَ: كُنَّا نقُول: يَمُوت عَظِيم أَو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015