[15] فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه يصلح فِي الْحَرْب مَالا يصلح فِي غَيرهَا من الافتخار وَالْخُيَلَاء. وَقد قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم خَيْبَر: أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة. وَالثَّانِي: أَنه لم يرد بذلك الافتخار بِالْآبَاءِ، إِنَّمَا قصد الافتخار بِنَفسِهِ، وَإِنَّمَا ذكر الْأَب للتعريف، كَمَا يَقُول الْغَالِب لعَدوه: أَنا فلَان بن فلَان، وَمَعْنَاهُ: اعرفني، فَأَنا الَّذِي قهرتك، وَأَنا الَّذِي عاديتني، أَو يُرِيد: إِن نسبي صَحِيح، قَالَ خفاف بن ندبة:
(أَقُول لَهُ وَالرمْح يأطر مَتنه ... تَأمل خفافا إِنَّنِي أَنا ذالكا)
[15] وَالثَّالِث: أَنه ذكرهم بِهَذَا النّسَب أَشْيَاء كَانُوا يعرفونها فِي عبد الْمطلب، مشهورها أَرْبَعَة أَشْيَاء: أَحدهَا رُؤْيا رَآهَا عبد الْمطلب فَأخْبر بهَا قُريْشًا فعبرت أَنه سَيكون لَهُ ولد يسود النَّاس ويملكهم، فأذكرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الرُّؤْيَا لتقوى نفوس المنهزمين من أَصْحَابه، ويوقنوا بِأَن الْعَاقِبَة لَهُ. وَالثَّانِي: أَن عبد الْمطلب وَفد على سيف بن ذِي يزن فَأخْبرهُ سيف أَنه سَيكون من أَوْلَاده نَبِي، وَكَانَ هَذَا الْأَمر مَشْهُورا بَينهم. وَالثَّالِث: أَن عبد الْمطلب أُتِي فِي مَنَامه فَقيل لَهُ: احْفِرْ زَمْزَم: قَالَ: وَمَا زَمْزَم؟ قَالَ: لَا تنزح وَلَا تذم، تَسْقِي الحجيج الْعظم فانتبه فحفرها، فَقَالَت لَهُ قُرَيْش: أشركنا فِيهَا، قَالَ: لَا، هَذَا شَيْء خصصت بِهِ دونكم، فحاكموه إِلَى كاهنة بن يسْعد، فَلَمَّا خَرجُوا عطشوا فِي الطَّرِيق، فانبعثت عين مَاء من تَحت خف رَاحِلَة عبد الْمطلب، فَقَالُوا: قد قضى لَك الَّذِي سقاك، فَلَا نخاصمك أبدا.