650 - / 769 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " الْحمى من فَور جَهَنَّم " وَفِي لفظ: " من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ". الْفَوْر والفيح والفوح: اشتداد حرهَا وَقُوَّة غليانها، يُقَال: فاحت الْقدر تفيح: إِذا غلت. [15] وَقَوله: " أبردوها " أَي قابلوا حرهَا بِبرد المَاء وصبه على المحموم. [15] فَإِن قيل: فَنحْن نجد عُلَمَاء الطِّبّ يمْنَعُونَ من اغتسال المحموم. وَيَقُولُونَ: لَا يجوز مُقَابلَة الْأَشْيَاء بأضدادها بَغْتَة، وَالرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَقُول إِلَّا حِكْمَة وَحقا، وَقد ذكر عَن بعض من ينْسب إِلَى الْعلم أَنه حم فاغتسل، فاختفت الْحَرَارَة فِي بدنه، فَزَاد مَرضه، فَأخْرجهُ الْأَمر إِلَى أَشْيَاء أحْسنهَا التَّكْذِيب بِالْحَدِيثِ. [15] وَالْجَوَاب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا خَاطب بِهَذَا أَقْوَامًا كَانُوا يعتادون مثل هَذَا فِي مثل تِلْكَ الأَرْض، والطب يَنْقَسِم: فشيء مِنْهُ بِالْقِيَاسِ كطب اليونانيين، وَشَيْء مِنْهُ تجارب كطب الْعَرَب، وَالْعرب تستشفي بأَشْيَاء لَا توَافق غَيرهم. وَقد قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: تبريد الحميات الصفراوية بسقي المَاء الْبَارِد وَوضع أَطْرَاف المحموم فِيهِ من أَنْفَع العلاج وأسرعه إِلَى إطفاء نارها، وعَلى هَذَا الْوَجْه أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتبريد الْحمى بِالْمَاءِ دون الانغماس فِيهِ. قَالَ: وَبَلغنِي عَن ابْن الْأَنْبَارِي أَنه كَانَ يَقُول: معنى قَوْله: " فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " أَي تصدقوا بِالْمَاءِ عَن الْمَرِيض يشفه الله عز وَجل، لما رُوِيَ أَن أفضل الصَّدَقَة سقِِي المَاء. قلت: هَذَا كُله