وَقَالَ آخر:
(عَلَيْك سَلام الله قيس بن عَاصِم ... وَرَحمته مَا شَاءَ أَن يترحما)
[15] فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّمَا يُقَال إِن شَاءَ الله فِي الْأَمر المظنون، وَقد وَقع الْيَقِين بِالْمَوْتِ، فَمَا وَجه قَوْله: " وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون ". [15] فَالْجَوَاب: من أَرْبَعَة أوجه: [15] أَحدهمَا: أَن استثناءه وَقع على الْبِقَاع، لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن يَمُوت، فِي هَذِه الْبقْعَة أَو فِي غَيرهَا، رَوَاهُ إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن هَانِئ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. [15] وَالثَّانِي: أَنه لما قيل لَهُ: {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} [الْكَهْف: 23، 24] صَارَت هَذِه الْكَلِمَة هجيراه فِي الْمُتَيَقن والمظنون، وَهَذِه الْكَلِمَة لما أهمل ذكرهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله: " لأطوفن اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة تَلد كل امْرَأَة غُلَاما " لم يحصل لَهُ مَقْصُوده. وَإِذا أطلقت على لِسَان رجل من يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَقَالَ: غَدا يحْفر السد إِن شَاءَ الله نفعتهم. فَقدر على الْحفر، فَإِذا فَاتَ مَقْصُود نَبِي بِتَرْكِهَا، وَحصل مُرَاد كَافِر بقولِهَا، فليعرف قدرهَا، وَكَيف لَا وَهِي تَتَضَمَّن إِظْهَار عجز البشرية وَتَسْلِيم الْأَمر إِلَى قدرَة الربوبية. [15] وَالثَّالِث: أَن الِاسْتِثْنَاء وَاقع على اسْتِصْحَاب الْأَيْمَان إِلَى الْمَوْت لَا إِلَى نفس الْمَوْت، فَيكون ذَلِك صادرا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جِهَة التَّعْلِيم، أَو لِأَنَّهُ كَانَ مَعَه غَيره مِمَّن لَا يدْرِي مآله.