(فَإِن أبي ووالده وعرضي ... لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاء)
[15] قَالَ أَبُو بكر: فَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن قُتَيْبَة وَاضح الْخَطَأ؛ أَلا ترى قَول مِسْكين الدَّارمِيّ:
(رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الْجِسْم مهزول الْحسب)
[15] فَلَو كَانَ الْعرض الْبدن والجسم على مَا ادّعى لم يكن مِسْكين ليقول: " رب سمين عرضه " إِذْ كَانَ مستحيلاً أَن يَقُول الْقَائِل: رب مهزول سمين جِسْمه، لِأَنَّهُ متناقض، وَإِنَّمَا أَرَادَ: رب مهزول جِسْمه كَرِيمَة أَفعاله. فَأَما الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ فِي صفة أهل الْجنَّة فَقَالَ الْأمَوِي: الْأَعْرَاض: المغابن، وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِي تعرق من الْجَسَد وَقَول أبي الدَّرْدَاء: أقْرض من عرضك، مَعْنَاهُ: من عابك وَذكر أسلافك فَلَا تجاره. وَكَذَلِكَ قَول أبي ضَمْضَم مَعْنَاهُ: قد تَصَدَّقت على من ذَكرنِي أَو ذكر أسلافي بِمَا يرجع إِلَيّ عَيبه، وَلم يرد أَنه أحله من أسلافه، لكنه إِذا ذكر آباءه لحقه بذكرهم نقيصة فأحله مِمَّا أوصل إِلَيْهِ من الْأَذَى، فَأَما حسان فَإِنَّهُ أَرَادَ بقوله: وعرضي: جَمِيع أسلافي الَّذين أمدح وأذم من جهتهم؛ يدل عَلَيْهِ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَإِن دماءكم وَأَعْرَاضكُمْ " فَلَو كَانَ الْعرض هُوَ النَّفس كَانَ ذكر الدَّم كَافِيا. وَقَوله: " أَلا هَل بلغت؟ " أَلا كلمة يُنَبه بهَا الْمُخَاطب. وَهل بِمَعْنى قد، كَقَوْلِه: {هَل أَتَاك حَدِيث مُوسَى} [النازعات: 15] .