يقل لَهُ: أَنْت مُنَافِق، فَقَالَ لَهُ: " سَبَقَك بهَا عكاشة ". وَقد روى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى البرتي القَاضِي أَنه قَالَ: يُقَال إِن هَذَا الرجل كَانَ منافقا فَأَجَابَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمعاريض الْكَلَام. وَقد روى أَبُو بكر الْخَطِيب بِإِسْنَاد لَهُ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: هَذَا الرجل هُوَ سعد بن عبَادَة. فَإِن صَحَّ هَذَا فسعد بَرِيء من النِّفَاق، وَإِنَّمَا يكون الْمَنْع لأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِمَّا لكَون سعد مَا بلغ تِلْكَ الْمنزلَة، فَإِنَّهُ لم يشْهد بَدْرًا، فَمَنعه الْمقَام الْأَعْلَى بالتعريض. وَإِمَّا لِأَن طلب هَذِه الْمنزلَة يحْتَاج إِلَى حرقة قلب من الطَّالِب، فَلَعَلَّهُ لم يملك حرقة قلب عكاشة وَإِنَّمَا سَمعه يطْلب فَطلب، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَو أَجَابَهُ لقام آخر وَآخر، فَرُبمَا تعرض بِهَذِهِ الْفَضِيلَة من لَا يَسْتَحِقهَا، فاقتصر على الأول لِئَلَّا يَقع رد للْبَعْض.
460 - / 562 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن رجلا أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ عِنْد مَوته لم يكن لَهُ مَال غَيرهم، فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجزأهم أَثلَاثًا ثمَّ أَقرع بَينهم، فَأعتق اثْنَيْنِ وأرق أَرْبَعَة وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا.
فَدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْعَمَل بِالْقُرْعَةِ، والقرعة: أَن يكْتب اسْم كل وَاحِد مِنْهُم فِي رقْعَة، وتدرج كل رقْعَة فِي بندقة من طين أَو شمع وَتَكون البنادق مُتَسَاوِيَة فِي الْقدر وَالْوَزْن، ثمَّ تطرح فِي حجر رجل لم يحضر ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة: يعْتق من كل وَاحِد ثلثه ويستسعى فِي الْبَاقِي، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يَقُول إِذا أعتق ثَلَاثَة مماليك لَا يملك غَيرهم فِي مَرضه فَمَاتَ أحدهم قبل موت الْمُعْتق، فَإنَّا نقرع بَين الْمَيِّت والحيين، فَإِن خرجت على الْمَيِّت حكمنَا بِأَنَّهُ مَاتَ