الْجنَّة " أَي يَأْكُل.
فَالْجَوَاب: أَن الشُّهَدَاء ميزوا على غَيرهم من الْمُؤمنِينَ بِزِيَادَة نعيم وعلو قدر ورفعة ذكر، فهم أَحيَاء يصل إِلَيْهِم نعيم الْجنَّة، ويأوون إِلَى أشرف منزل، وهم بِالذكر الْجَمِيل فِي الدُّنْيَا كالأحياء، قَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ: الشُّهَدَاء مخصوصون، يرْزقُونَ من الْجنَّة قبل بَعثهمْ دون سَائِر الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله فِي الحَدِيث " هَل تشتهون شَيْئا؟ قَالُوا: أَن ترد أَرْوَاحنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك ".
وَإِن قيل: مَا الْفَائِدَة من عرض التَّمَنِّي عَلَيْهِم، فَلَمَّا تمنوا شَيْئا لم يعطوه، وَالْحق عز وَجل قد علم قبل سُؤَالهمْ مَا يتمنون، وَعلم أَنه لَا يعطيهم ذَلِك، فَمَا الْفَائِدَة فِي استعراض حَاجَة لَا تقضى؟
فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الْقَوْم خَرجُوا من دَار التَّكْلِيف إِلَى دَار الْجَزَاء، وأحبوا الْعود لَا لِمَعْنى يرجع إِلَى أغراضهم، بل قَضَاء لشكر نعْمَة الْحق عَلَيْهِم، فَترك إجابتهم إِلَى مَا يوقعهم فِي النصب إِجَابَة، فَكَأَنَّهُ يَقُول: مرادكم من الْعود شكر النِّعْمَة أَو توفير الْأجر، وَقد رضيت شكركم، وسأنيلكم مَا تُرِيدُونَ من غير تَعب. وَمِثَال هَذَا أَن ينعم السُّلْطَان على شخص عَن خدمَة نصب فِيهَا ثمَّ يَقُول لَهُ: تمن، فَيَقُول: لَو أَن تعيدني إِلَى الْخدمَة، وَمرَاده أَن يزْدَاد عَنهُ رضى، فيمنعه النصب، ويخبره بِتمَام الرضى.
وَالثَّانِي: أَنهم لما سلمُوا إِلَى الشَّهَادَة نفوسا لَا تَخْلُو من تلويث