الوسوسة حَدِيث الشَّيْطَان فِي بواطن الْقُلُوب، والمحض: الْخَالِص. وأصل هَذَا أَن اللَّبن إِذا لم يخلط بِالْمَاءِ قيل لَهُ مَحْض: أَي خَالص.
وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَبُو هُرَيْرَة مكشوفا فَقَالَ: جَاءَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نجد فِي أَنْفُسنَا مَا يتعاظم أَحَدنَا أَن يتَكَلَّم بِهِ. قَالَ: " وَقد وجدتموه؟ " قَالُوا: نعم، قَالَ: " ذَاك صَرِيح الْإِيمَان " وَالْمعْنَى: عَن الَّذِي يمنعكم من قبُول مَا يلقيه الشَّيْطَان إِلَيْكُم حَتَّى يصير ذَلِك وَسْوَسَة لَا يتَمَكَّن من الْقُلُوب وَلَا تطمئِن إِلَيْهَا النُّفُوس صَرِيح الْإِيمَان، لَا أَن الوسوسة نَفسهَا صَرِيح الْإِيمَان، لِأَنَّهَا من فعل الشَّيْطَان فَكيف تكون إِيمَانًا؟
269 - / 319 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " ليلني مِنْكُم أولو الأحلام والنهى، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ - ثَلَاثًا - وَإِيَّاكُم وهيشات الْأَسْوَاق "
كثير من المبتدئين فِي قِرَاءَة الحَدِيث يقرءُون: ليليني بِإِثْبَات الْيَاء، وَهُوَ غلط، إِنَّمَا هُوَ مجزوم بِالْأَمر: " ليلني ". والأحلام: الْعُقُول. والنهى: اسْم لِلْعَقْلِ أَيْضا، لِأَنَّهُ ينْهَى عَن الْقَبِيح. وَإِنَّمَا أَمر بِهَذَا لثَلَاثَة معَان: أَحدهَا: تَفْضِيلهمْ بالتقدم. الثَّانِي: ليعقلوا عَنهُ مَا ينْقل من فعله. وَالثَّالِث: لِأَنَّهُ رُبمَا احْتَاجَ إِلَيْهِم إِمَّا بتذكيره مَا أخل بِهِ أَو فِي استنابتهم إِن نابه أَمر. وَفِي تقديمهم تَعْلِيم للناقصين التأدب بالتأخر وَقَوله: " ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ " أَي فِي الْمنزلَة وَالْقدر.
وهيشات الْأَسْوَاق: اختلاطها وَمَا يكون فِيهَا من الجلبة وارتفاع