أَحدهَا: أَن أصل التَّلْبِيَة الْإِقَامَة بِالْمَكَانِ، يُقَال: ألببت بِالْمَكَانِ: إِذا أَقمت بِهِ، ولببت، لُغَتَانِ، ثمَّ قلبوا الْبَاء الثَّانِيَة إِلَى الْيَاء استثقالا، كَمَا قَالُوا: تظنيت، فَكَأَن قَوْله لبيْك: أَي أَنا عنْدك، وَأَنا مُقيم مَعَك، وَقد أَجَبْتُك، ثمَّ بنوه للتوكيد، فَكَانَ الْمَعْنى: أَقمت عنْدك إِقَامَة بعد إِقَامَة، وَإجَابَة بعد إِجَابَة، حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الْخَلِيل.
وَالثَّانِي: أَنه بِمَعْنى اتجاهي إِلَيْك، مَأْخُوذ من قَوْلهم: دَاري تلب دَارك: أَي تواجهها.
وَالثَّالِث: أَنه بِمَعْنى محبتي لَك، مَأْخُوذ من قَوْلهم: امْرَأَة لبة إِذا كَانَت محبَّة لولدها، عاطفة عَلَيْهِ.
وَمعنى سعديك: ساعدت طَاعَتك مساعدة بعد مساعدة. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد.
قَوْله: وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك: أَي لَيْسَ مُضَافا إِلَيْك.
وَقد يشكل هَذَا فَيُقَال: أَلَيْسَ كل شَيْء بِقدر؟
فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: لَا يُضَاف الشَّرّ إِلَيْك فتخاطب بِهِ تأدبا لَك، فَلَا يُقَال: يَا قَاتل الْأَنْبِيَاء، وَيَا مضيق الرزق، وَإِنَّمَا تخاطب بِمَا يَلِيق بالأدب، فَيُقَال: يَا كريم يَا رَحِيم. وَيَقُول المذنب: ظلمت نَفسِي، وَلَا يَقُول: أَنْت قضيت، لِأَنَّهُ كالمناظرة. وَالْمرَاد من الْعِبَادَة الذل للمعبود، وَلِهَذَا الْمَعْنى لما قَامَ آدم مقَام الْعُبُودِيَّة قَالَ: {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا} [الْأَعْرَاف: 23] فَلَمَّا التقى بمُوسَى قَالَ لَهُ: " أتلومني على أَمر