أكره أَن أزكى بِهِ.

تَعْنِي: أَن أمدح بِهِ وَتجْعَل لي مزية ومنزلة. وَهَذَا مِنْهَا على جِهَة التَّوَاضُع والاحتقار للنَّفس، وَمن هَذَا الْجِنْس مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو بكر بن حبيب الصُّوفِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو سعيد بن أبي صَادِق الْحِيرِي قَالَ: أخبرنَا ابْن باكويه قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم الْعَبْدي. قَالَ: حَدثنَا عمرَان بن مُوسَى السجسْتانِي قَالَ: حَدثنَا هدبة قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب أَنه قيل لعمر بن عبد الْعَزِيز لما مرض: إِن فِي الْبَيْت مَوضِع قبر، فَإِن أتيت الْمَدِينَة فَحدث بك حدث دفنت فِيهِ. فَقَالَ: مَا يسرني وَلَو عذبني الله بِكُل عَذَاب أَن يعلم الله فِي قلبِي أَنِّي أرى نَفسِي أَهلا لذَلِك.

فَإِن قيل: فَلم اخْتَار عمر بن الْخطاب أَن يدْفن هُنَالك؟ وهلا تواضع كعائشة.

فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن عمر علم أَنه مَقْطُوع لَهُ بِالْجنَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يخَاف من تَفْرِيط فِي الْخلَافَة بِخِلَاف غَيره.

وَالثَّانِي: أَن شدَّة الْخَوْف الَّتِي توجب إبعاد النَّفس عَن مَكَان لَا يَرَاهَا صَالِحَة لَهُ هُوَ الْمُوجب لمزاحمة من ترجى شَفَاعَته وينال الْخَلَاص بِقُرْبِهِ، فَمن لم ير نَفسه أَهلا لذَلِك فقد احتقرها، وَمن أَرَادَ ذَلِك الْمَكَان فقد استشفع لَهَا، وكلا الْأَمريْنِ صادر عَن خوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015