هَذَا للساحر وَذَلِكَ للسحر.

وَقد جَاءَ فِي بعض الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سحر احْتجم على رَأسه بقرن. ذكره أَبُو عبيد، وَرُبمَا حمله بعض طلاب الحَدِيث على أَن الْحجامَة وَقعت بقرن الشَّاة، وَلَا يستبعد هَذَا من طلاب الحَدِيث الْيَوْم لقلَّة علمهمْ. وَقد حُكيَ لنا عَن بعض مشايخهم المقتصرين على النَّقْل دون الْفِقْه والفهم، وأدركنا نَحن ذَاك الشَّيْخ وَقد سُئِلَ عَن الحَدِيث: احْتجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلحي جمل فَقَالَ: كَأَن لحي الْجمل المشارط. وَحكي لنا عَن شيخ آخر أدركناه أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: " من تعار من اللَّيْل " فَقَالَ مَعْنَاهُ: تعرى. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي أَمر ظَاهر، فَكيف إِذا رأى فِي كتاب أبي عبيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم على رَأسه بقرن حِين سحر. ثمَّ تَركه أَبُو عبيد وَلم يفسره. وَإِنَّمَا قرن اسْم مَوضِع لَا غير، كَذَا ذكره السيرافي والرقي اللّغَوِيّ.

وَقد أنكر قوم من الْمُتَكَلِّمين صِحَة هَذَا الحَدِيث وَقَالُوا: لَو جَازَ أَن يُؤثر السحر فِي رَسُول الله لم يُؤمن أَن يُؤثر ذَلِك فِي الْوَحْي إِلَيْهِ فَيَقَع ضلال. وَالْجَوَاب: أما نقل الحَدِيث فَلَا يرتاب بِصِحَّتِهِ. وَقد نطق الْقُرْآن بِالسحرِ، وَأمر بالتعويذ من النفاثات فِي العقد. ورتب الْفُقَهَاء أحكاما فِي حق السَّاحر. والأنبياء بشر يجْرِي عَلَيْهِم مَا يجْرِي على الْبشر، إِلَّا أَن مَا يتَعَلَّق بِالْوَحْي مَحْفُوظ وهم محفوظون فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصدا} [الْجِنّ: 27] وَالْمعْنَى أَنه يحفظ الْوَحْي من استراق الشَّيَاطِين لِئَلَّا يلقوه إِلَى الكهنة فيتكلموا بِهِ قبل النَّبِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015