حَال، فَتَصِير الْحَالة الأولى بِالْإِضَافَة إِلَى الثَّانِيَة من التَّقْصِير كالذنب فَيَقَع الاسْتِغْفَار لما يَبْدُو لَهُ من عَظمَة الرب، وتتلاشى الْحَال الأولى بِمَا يَتَجَدَّد من الْحَال الثَّانِيَة.
وَالْمعْنَى الثَّانِي: أَن التغطية على قلبه كَانَت لتقوية الطَّبْع على مَا يلاقي، فَيصير بِمَثَابَة النّوم الَّذِي تستريح فِيهِ الْأَعْضَاء من تَعب الْيَقَظَة، وَذَلِكَ أَن الطَّاعَة على الْحَقَائِق ومواصلة الْوَحْي تضعف قلبه وتوهن بدنه، وَقد أَشَارَ عز وَجل إِلَى هَذَا فِي قَوْله: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] ، وَقَوله: {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل لرأيته خَاشِعًا متصدعا من خشيَة الله} [الْحَشْر: 21] ، فلولا أَنه كَانَ يتَعَاهَد بالغفلة لما عَاشَ بدنه لثقل مَا يعرض لَهُ. وَشَاهد هَذَا مَا يلْحقهُ من البرحاء والعرق عِنْد الْوَحْي، وَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يتَعَرَّض لهَذِهِ التغطية بِأَسْبَاب يلطف فِيهَا طبعه كالمزاح ومسابقة عَائِشَة، وتخير المستحسنات، وكل ذَلِك ليعادل عِنْده من قُوَّة الْيَقَظَة.
فَإِن قيل: على هَذَا فَكيف يتَعَرَّض بِشَيْء ثمَّ يسْتَغْفر مِنْهُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ يرى تِلْكَ الْحَالة بِالْإِضَافَة إِلَى الْجد تقصيرا، إِلَّا أَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَيْهَا، فَتكون بِمَثَابَة زمن الْأكل وَالنَّوْم وَالْغَائِط.